واقعة أولى: يروي العميد الركن فؤاد عون في كتابه
«من ضيافة صدَّام إلى سجن المزّة»، كيف كان ينقل الأموال من العراق إلى رئيس الحكومة العسكرية العماد ميشال عون. ويقول في أحد فصول الكتاب : «… فكم مرة عدت من العراق وأنا أحمل شيكًا تفوق قيمته عدة ملايين من الدولارات ، كنت فور وصولي إلى لبنان أسلمه إلى العماد ميشال عون».
واقعة ثانية: مطلع عام 1988 ، وحين بدأ انهيار قيمة الليرة اللبنانية تجاه الدولار الأميركي الذي وصل إلى نحو خمسمئة ليرة ، بعدما كان في أول عهد الرئيس الجميل لا يتجاوز الثلاث ليرات، صارت رواتب العسكريين في الجيش في حال يُرثى لها، وكان تخوف من أن تؤمن الميليشيات رواتب إضافية للعسكريين في الجيش، ويكون الولاء للميليشيات، ولِدَت فكرة من بعض الضباط في الجيش، تبناها الرئيس رفيق الحريري الذي كان يهتم في السياسة اللبنانية عن بُعد، فأخذ على عاتقه إرسال مساعدة شهرية للجيش بقيمة نصف مليون دولار ، عبر شيك مصرفي كان يُحرر باسم العماد ميشال عون، وكان يحمله من الحريري ويسلمه إلى العماد عون أحد ضباط الشعبة الثانية وهو العميد ر.م. استمرت مساعدات الحريري عبر العميد المذكور حتى أيلول 1988 حين انقسمت السلطة إلى حكومتين: الحكومة التي شكلها الرئيس أمين الجميل برئاسة العماد عون، في الربع الساعة الأخير من عهده، وحكومة الرئيس سليم الحص التي كانت قائمة وكانت آخر حكومات عهد الرئيس أمين الجميِّل، والتي لم تعترف بالحكومة العسكرية .
واقعة ثالثة ، في «حرب التحرير» التي شنَّها العماد عون ضد سوريا، ومع توقف المساعدات المالية التي كان يقدمها الرئيس الحريري ، كانت تصل مساعدات مالية نقدية إلى قصر بعبدا «في أكياس قماش» من إحدى الدول الخليجية، غير السعودية، عبر أحد رجال الأعمال اللبنانيين المقيم في تلك الدولة.
واقعة رابعة ، في «حرب الإلغاء» بين العماد عون والقوات اللبنانية، كان الوزير الراحل إيلي حبيقة يؤمن المحروقات لمناطق سيطرة العماد عون، من سوريا، وكان يتولى التنسيق لإيصالها الدكتور بيار رفول الذي تولى في إحدى الحكومات في عهد العماد عون وزارة دولة لشؤون رئاسة الجمهورية .
واقعة خامسة: قائد الجيش الحالي العماد جوزيف عون، ومنذ بدء الأنهيارات المالية، يصارع الظروف ويسابق الوقت تحصيلًا لمساعدات لا إمكان لاستمرارية المؤسسة من دونها، وهي مساعدات تصل إلى المؤسسة العسكرية، وقد توقَّف المراقبون مليًا عند ما قاله العماد عون عن المساعدات : « … وإذا كان خرق القانون يتيح لي قبول مساعدات من اللبنانيين المحبين للمؤسسة في الداخل والخارج، وتأمين الدواء والتغذية والتنقلات للعسكريين، والاستشفاء والمساعدات المدرسية لعائلاتهم، ويعينهم على الصمود ويخفّف عنهم الصعوبات المعيشية، ويسمح للجيش بتنفيذ مهماته، فسأخرق القانون».
هذا كلامٌ متقدِّم، وليس تفصيلًا أن يرمي قائد الجيش القفازات في وجه الجميع ويخاطبهم بالقول : «سأخرق القانون»، مع علمه الأكيد أن مثل هذا الكلام سيفتح عليه «نار جهنم» من السياسيين، الأقربين والأبعدين .
تأسيسًا على ما تقدَّم ، وانطلاقًا من كل هذه المعطيات، فإن المساعدات للجيش اللبناني ليست استثناء منذ ثمانينيات القرن الماضي وصولًا إلى اليوم، ودائمًا كان يُقال : لا يصح أن يكون راتب العنصر في ميليشيا ، أي ميليشيا ، أكبر من راتب العسكري في الجيش اللبناني . والسؤال هنا : لماذا تكون المساعدات للعماد ميشال عون، من العراق ومن الرئيس الحريري ومن دولة خليجية غير السعودية ، بين 1988 و1990 «حيوية وضرورية»، وتكون المساعدات من الولايات المتحدة الأميركية وقطر، ومن لبنانيين مقتدِرين، مقيمين ومغتربين، للمؤسسة العسكرية في عهد العماد جوزيف عون، «مُخالِفة» ؟
إذا بقي الواقع على ما هو عليه ، فإن المساعدات ستبقى الشريان الحيوي الذي من دونه لن تستطيع المؤسسة العسكرية الاستمرار ، فالجيش لا يشبه الإدارة العامة المضرِبة منذ شهور ، كما لا يشبه القطاع التربوي الذي هو في حال إضراب في المدارس الرسمية منذ ثلاثة أشهر. هل يمكن لأحد أن يتصور أن تُضرِب المؤسسة العسكرية بسبب عدم توافر الأموال أو المساعدات؟ عند هذا السؤال تسقط كل المحاذير، إذا وُجِدَت ، لقبول المساعدات.