الثنائي الشيعي «أشعل» السباق الى بعبدا

.

هل نجح الثنائي الشيعي في تحريك المياه الراكدة في الملف الرئاسي، من خلال الانتقال من مرحلة الدعم الضمني لوصول سليمان فرنجية، الى مرحلة كشف الاوراق، واعلان موقف علني داعم لفرنجية؟

من حيث الشكل، أدّى الموقف الذي أطلقه رئيس مجلس النواب نبيه بري الى موجة ردود فعل أوحت وكأن الملف الرئاسي انتقل من مرحلة البرودة الى مرحلة ساخنة، توحي باقتراب موعد الحسم. ومن ثم جاء موقف امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في الاتجاه نفسه، بما جعل المواجهة تنتقل عملياً الى مستوى جديد. فهل يعني ذلك ان الاستحقاق الرئاسي صار على نار حامية؟
واقعياً، لا يزال المشهد على غموضه ، وهناك تفسيرات متناقضة لما يمكن ان يجري في المرحلة المقبلة. والتفسيرات على كثرتها، باتت تتمحور حول النقطتين التاليتين:
اولا- ان خطوة الثنائي الشيعي تهدف الى ايصال رسالة مفادها انهما تخليا عن تحفظهما السابق حيال دعم فرنجية، وانهما سيعملان لايصال مرشحهما الى بعبدا، كما فعلا مع العماد ميشال عون. وهذا يعني ان مرحلة الانتظار وعضّ الاصابع سوف تطول.
ثانيا- ان طرح اسم فرنجية علناً يهدف ضمناً الى الاعلان عن فتح «بازار» التفاوض مع الطرف الآخر. بحيث توضع الاوراق على الطاولة، ويعرض كل طرف مرشحه، ومن ثم يُصار الى التفاوض على اسم ثالث يحظى بالتوافق، ويتم الاتفاق على انتخابه.

أصحاب التفسير الاول ينطلقون من فكرة مفادها ان حزب الله لا يعتمد اسلوب حرق الحلفاء في المعركة، وهذا ما أثبته في انتخاب الرئيس السابق ميشال عون. ويعتبر هؤلاء ان الحزب انما أراد من موقفه الأخير الظهور في موقف القادر على تأمين 65 صوتا لفرنجية، وحشر المعارضين في الزاوية لجهة اضطرارهم الى تعطيل النصاب. وبهذه الطريقة تنتقل تهمة التعطيل من الثنائي الشيعي الى القوى المعارضة التي كانت تتهم الثنائي بهذا التعطيل، وتطالبه بعقد جلسات متتالية للوصول الى انتخاب رئيس.

أما من يتبنّى النظرية الثانية، فانه يستند الى معطيات وردت في كلمة نصر الله، ومن أهمها قوله ان نصاب كل الجلسات لانتخاب رئيس ينبغي ان تكون بأكثرية الثلثين. وهو بذلك يصعّب مهمة انتخاب فرنجية، حتى لو تأمّن له 65 صوتا.

في المقابل، برز موقف متقدم للسفير السعودي الذي بدأ جولة جسّ نبض على القيادات، افتتحها بلقاء البطريرك الماروني بشارة الراعي. وفُهم من التغريدة التي وضعها السفير وليد البخاري على تويتر، انه يشير الى ان ورقة فرنجية اصبحت للتفاوض، كما هي حال المرشح ميشال معوض، وان الحل سيكون بالاتفاق على اسم قائد الجيش العماد جوزف عون.

في هذه الاثناء، يخوض قائد الجيش مواجهات على اكثر من جبهة. وعلى رغم الخلاف في المواقف حيال رئاسة الجمهورية بين نبيه بري وجبران باسيل، إلا أن الرجلين اتفقا على استبعاد عون عن السباق. اذ ان موقف بري من تعديل الدستور بدا بمثابة موقف واضح لرفضه وصول قائد الجيش. وهذا الموقف، قد يكون منسقاً مع حزب الله، الذي سبق وقيل انه يضع فيتو على اسم جوزف عون. ومن جهته، يحارب باسيل بضرواة قائد الجيش ويحاول قطع كل السبل امامه لمنع وصوله الى بعبدا. وهذا الصراع يبرز بوضوح من خلال ما يرّوجه فريق باسيل لجهة وجود ملفات في حق عون. وهو بذلك يشير الى ملفات فساد، من دون ان يوضح حتى الان تفاصيل هذه الملفات. وقد جاء رد عون من خلال كلامه الأخير الذي اخذ طابع التحدي، من خلال التأكيد انه يعمل لمصلحة الجيش، وانه ن اجل حماية هذه المصالح مستعد لخرق القوانين. وهو كان يلمّح الى المسائل التي يختلف حولها مع وزير الدفاع المحسوب على باسيل. ولعلّ القضية التي خرجت الى العلن، تلك المتعلقة بمنح رخص حمل سلاح. وبينما كان وزير الدفاع يحاصر عون من خلال الامتناع عن توقيع رخص السلاح التي تأتيه من مكتب قائد الجيش، ردّ الاخير من خلال إصدار قرار ينصّ على اعتبار ان تصريح حمل السلاح الذي تمنحه قيادة الجيش يمكن ان يحل مكان الرخصة، وهو بمثابة ترخيص لحمل السلاح. لكن وزير الدفاع ردّ على الرد، واصدر تعميما اعلن فيه ان صلاحية إصدار رخص حمل السلاح محصورة بالوزير، وان اي اجراء آخر يعتبر مخالفا للقانون، ولا قيمة قانونية له.

ولا يبدو ان لقاء المصالحة الذي نظمه رئيس حكومة تصريف الاعمال وجمع فيه وزير الدفاع وقائد الجيش، قد أفضى الى انتهاء الأزمة، لأنها في الواقع ليست بين رجلين، بقدر ما هي ترتبط بالسباق الرئاسي.
الصراعات محتدمة، ولم تظهر بعد مؤشرات تدل على اقتراب موعد حسم الملف الرئاسي. وبالانتظار، قد نشهد في الايام المقبلة احتدام الصراعات، وتسخين المواجهات من دون ان يكون واضحاً اذا ما كان التسخين مقدمة للحسم، ام ان المراوحة قد تمتد لفترة طويلة، يقيسها البعض بالسنوات وليس بالاسابيع أو الأشهر.