من خلال التحرّك الأخير الذي قام به السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، بدأ يتضح اكثر فأكثر ان المملكة تمسك بمفتاح اساسي في الاستحقاق الرئاسي، وانه من دون استخدام هذا المفتاح، لن يكون متاحاً فتح باب قصر بعبدا.
هذا الواقع، حاول البعض تجاوزه في السابق، الى ان تبين استحالة الامر. ومن سعى الى هذا الهدف، اعتبر انه يمكن سلوك طريق واشنطن، إما للضغط على الرياض لدفعها الى اتخاذ موقف محدّد من الاستحقاق، وإما تحريض واشنطن على السعودية لدفعها الى فرض موقف، بصرف النظر عن الرأي السعودي بالموضوع. لكن، وبعد محاولات في هذا الاتجاه، تبين وجود معادلتين لا يمكن تجاوزهما:
اولا- ان الموقف الاميركي بخطوطه العريضة لا يختلف عن الموقف السعودي المبدئي الذي يستند الى فكرة منع وصول رئيس محسوب على المحور الايراني.
ثانيا- ان العلاقات بين الادارة الاميركية الحالية مع الحكومة السعودية حساسة، وقد شهدت اضطرابات تتعلق بمواقف أصرّت السعودية على اتخاذها. وبالتالي، فان الاجواء في واشنطن توحي بأن الادارة الاميركية لا تستطيع ان «تمون» على السعودية في كل الملفات. ومن البديهي، أن الاميركيين ليسوا على جهوزية للمسّ بهذه العلاقات من اجل الاستحقاق الرئاسي اللبناني.
بالاضافة الى ذلك، هناك تنسيق اميركي-سعودي لصيق في ما خصّ ملفات ساخنة في المنطقة، ومن ضمنها الملف السوري. بالاضافة طبعاً الى الموقف السعودي الأخير حيال الحرب الروسية الاوكرانية، وهو موقف متقدّم اعتبرته واشنطن بمثابة خطوة ايجابية ينبغي تثمينها.
هذه الحقائق تجعل من محاولة البعض التمييز بين الموقفين الاميركي والسعودي في غير محلها، ولا يمكن أن توصل الى اية نتيجة. ويذهب البعض أبعد من ذلك من خلال التأكيد، ان السعودية تتحرك في لبنان بالأصالة عن نفسها، وبالنيابة عن الولايات المتحدة الاميركية.
هذه الوقائع بدأ يأخذها في الحسبان المرشحون المعلنون وغير المعلنين للرئاسة، كذلك تفعل القوى السياسية التي تدعم هذا المرشح أو ذاك، وتسعى الى ايصاله الى بعبدا. وفي مقدمة هؤلاء حزب الله الذي أصبحت ظروفه مختلفة عن الظروف التي كانت سائدة في الاستحقاق الرئاسي السابق. كما أن العلاقات السعودية-الايرانية تغيرت نسبيا، ولو أن الحوارات بين الدولتين لم تصل بعد الى حدّ ترجمتها في الساحة اللبنانية. ولكن نجاح الدولتين في الاتفاق برعاية صينية على اعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، لا يمكن ان يمر من دون التوقّف عنده، وانتظار كيف ستمضي التطورات في هذا الاتجاه، وبأية سرعة يمكن ان تتحسّن العلاقات، وما هو السقف الذي قد تتوقف عنده.
انطلاقا من ذلك، يشجع حزب الله حليفه المرشح سليمان فرنجية على تركيز جهوده على هذه النقطة بالذات، ويمنحه هامشاً واسعاً من الحرية لكي يتخذ مواقف علنية تعتبر بمثابة رسائل ايجابية الى الرياض. لكن هذه المحاولات لم تنجح حتى الآن، ولو انها لا تزال مستمرة في كل الاتجاهات.
وسبق أن اشارت المعلومات المتداولة الى محاولات لتسويق فرنجية في السعودية، على اعتبار انها وحدها قادرة على تليين موقف حزب القوات اللبنانية. وقيل ان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي حاول في هذه الملف، لكنه لم ينجح. وكذلك تردّد ان رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط جسّ نبض السعوديين حيال هذا الموضوع لكن النتائج لم تكن ايجابية.
في غضون ذلك، لا يوفّر فرنجية مناسبة إلاّ ويجيرها للتأكيد على موقفه الايجابي الداعم لاتفاق الطائف، وهو يدرك ان السعودية تنظر الى هذا الاتفاق على اساس انه مرتبط بها، وتريد الحفاظ عليه في المرحلة المقبلة.
ويعتبر حزب الله ان الانتظار قد يكون من مصلحة مرشحها، على اعتبار ان العلاقات بين دول الخليج العربي ودمشق بدأت تتحرك في اتجاه التطبيع. ومع ان هذا الملف قد يستغرق وقتاً ليس بقصير، إلا ان الحزب يراهن على انه اذا حصل، فان ذلك سيكون بمثابة عنصر تغيير اساسي في الموقف السعودي حيال ملف الاستحقاق الرئاسي.
هذه الاجواء، وبصرف النظر عن التفاصيل، يدعو الى التحسّب لمرحلة طويلة من الانتظار، بما يؤشر الى ان البلد، سيكون امام المزيد من الأزمات المتفرعة عن ازمة الانهيار المالي والاقتصادي. وسيكون من مهام الدول الراعية للاستقرار في لبنان، وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية مواصلة دعم القوى العسكرية والامنية، لمساعدتها على المحافظة على الحد الأدنى من الاستقرار الأمني، انطلاقاً من قناعة بأن الضغوطات المعيشية على المواطنين في مرحلة الفراغ الطويل ستكون قاسية، وسيكون الحفاظ على مستوى مقبول من الأمن، مهمة صعبة ومعقدة.