بأسطر معدودة وكلمات مختارة، صدر البيان المشترك السعودي-الإيراني- الصيني ليعبر عن فتح صفحة جديدة في العلاقات بين «الأخوين اللدودين» السعودية وإيران برعاية الصين.
لنقرأ في البيان التاريخي الذي نقلته وكالة الأنباء السعودية، بعض الملاحظات المهمة.
رعاية الاتفاق، هي من قبل الرئيس الصيني «القوي» شي جين بينغ شخصياً وبمبادرة منه. لماذا الاتفاق؟ جاء في البيان: رغبة من قيادتي البلدين في حل الخلافات بينهما من خلال الحوار والدبلوماسية في إطار الروابط الأخوية التي تجمع بينهما والتزاماً منهما بمبادئ ومقاصد ميثاقي الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، والمواثيق والأعراف الدولية.
مدة الحوار للتوصل إلى البيان؟ خمسة أيام، من ٦ إلى ١٠ آذار الحالي في العاصمة الصينية بكين.
من هما وفدا التفاوض السعودي-الإيراني؟ وفدان يحملان الصفة الأمنية برئاسة معالي الدكتور مساعد بن محمد العيبان وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني في المملكة العربية السعودية، ومعالي الأدميرال علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
والأهم ماذا جاء في البيان؟ أعلنت الدول الثلاث أنه «تم توصل المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، ويتضمن تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واتفقا أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعاً لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما». كما اتفقا «على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، الموقعة في 17 / 4 / 2001 والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة بتاريخ 27 / 5 / 1998».
وأعربت الدول الثلاث عن «حرصها على بذل كافة الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي».
يعتبر رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والتنمية وائل خليل ياسين وهو مستشار سياسي خبير في الشؤون الصينية-العربية من بكين، في رد على سؤال لصحيفة «السهم» أن نجاح الصين في جمع السعودية وإيران على أراضيها، مرده إلى العلاقات الممتازة التي تجمع بكين مع كل من الرياض وطهران. فالصين تعتبر أن دول الشرق الأوسط خاصة دول مجلس التعاون الخليجي وإيران شركاء طبيعيون لها في تنفيذ مبادرة «الحزام والطريق» ، وقد حافظت على كونها أكبر مستورد للمنتجات البتروكيماوية منها.
كما تلعب الصين دوراً محورياً في مساعدة دول الشرق الأوسط عامة ودول مجلس التعاون الخليجي خاصة على تطوير وتحويل اقتصاداتها بهدف التخلص من اعتمادها على النفط وتسعى للتشارك وفق مبدأ المنفعة المتبادلة والربح المشترك.
ويؤكد أن الاتفاق السعودي الإيراني الذي رعته الصين انجازٌ استراتيجي عظيم بل يمكن أن يسمى «تسونامي» الدبلوماسية الصينية. فهو ينبئ بقرب نهاية ثمانين عاماً من الهيمنة الأميركية والبريطانية على منطقة الخليج والشرق الأوسط، ويثبت دور الصين كلاعب استراتيجي مهم في المنطقتين، وعبر البوّابة السعودية الأهم سياسياً واقتصادياً.
ويعتقد أن الصين ومن خلال هذا الاتفاق الذي رعته وأنجزته بهدوء ووسط تكتم شديد، ستصل في النهاية إلى وقف نزيف مالي وعسكري هائل. كما أن هذا الاتفاق يهدف إلى وقف سيل الدماء عبر حروبٍ مباشرةٍ أو غير مباشرة في منطقة الشرق الأوسط، مما يوفر مئات المليارات من الدولارات، التي من المؤكد انه سيتم توظيفها في تعزيز التنمية في الشرق الأوسط عبر تمويل مشاريع مستقبليّة تساهم في تحوّل دول المنطقة وفي مقدمتها السعودية، إلى قُوّةٍ ماليّة واقتصادية ضخمة، تستند إلى التصنيع والاكتفاء الذاتي وتعدد مصادر الدخل وتقليص الاعتماد على البترول وحده.
لكن هل ستستطيع الصين هذه المرة أن تضمن نجاح هذا الاتفاق بعد سنوات من القطيعة والعداء بين السعودية وإيران؟ يرى ياسين أنه «بعد مراجعة المسارات السياسية التي جرت خلال السنوات السابقة يمكن القول إنه لم يكن هناك أي عمل جاد لوقف حالة الحروب واستنزاف الطاقات في منطقة الشرق الأوسط بل كانت الدول الغربية وبقيادة الولايات المتحدة تصب الزيت على النار وتحاول دائماً منع أي تقارب بين الجهات كافة، وذلك على عكس ما عملت عليه القيادة الصينية التي توجت تحركاتها عبر هذا الاتفاق الذي يعكس أكبر علامات الضعف الأميركي في المنطقة والعالم بأسره». ويعتقد أن الاتفاق يمهد لإقامة عالم متعدد الأقطاب الذي يحفظ لكل شعب دوره وفق إمكانياته. كما أن هذا الاتفاق أفقد الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأميركية فكرة «الخوف من إيران» التي كانت تستخدمها كورقة ابتزاز عسكريّة وأمنية، بما يؤدي إلى استمرار الهيمنة وتعميقها.
وماذا إذا نجح هذا الاتفاق؟ هل تنتقل الصين إلى رعاية اتفاقات مماثلة في المنطقة العربية والشرق الأوسط؟ يؤكد ياسين أن على الصين أن تلعب دور الإطفائي في منطقة الشرق الأوسط عبر إجراء حوارات ثنائية في بكين لتقريب وجهات النظر بهدف حل النزاعات في كافة الملفات الساخنة ومتابعة ما تم الاتفاق عليه لجهة الالتزام بوقف التدخلات في الشؤون الداخلية والحث على وقف الاستثمار في المنظمات المسلحة وزعزعة الأمن والاستقرار، والسعي لحل كافة المشاكل عبر التوصل لحلول ترضي الجميع وتعطي كل طرف حقه وتحفظ دوره المشروع. ومن هذه الملفات على سبيل المثال اليمن والعراق وسوريا ولبنان إضافة إلى الملف الفلسطيني.
وأكد ياسين أن «المرحلة القادمة سوف تحمل تعزيزاً كبيراً للتعاون السياسي والاقتصادي بين الصين ودول الشرق الأوسط ما يزيد القدرة على مواجهة المخاطر على الصعيد الدولي ويمنع الانزلاق نحو توتر عسكري قد يدفع العالم إلى حالة عدم الاستقرار وإلى نزاع عسكري دولي شامل شبيه بالحرب العالمية».
ماذا عن الوضع في لبنان؟ هل سيستفيد من هذه الفرصة الخارجية السانحة؟ يتمنى ياسين على المسؤولين اللبنانيين أن يستغلوا الوضع لمصلحة البلد. «عليهم أن لا ينتظروا شهرين، فليجلسوا سوياً وينتخبوا رئيساً للجمهورية يكون مقدمة لحل الأزمة غير المسبوقة في لبنان».