استحوذ التحقيق الاوروبي مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على الاضواء هذا الاسبوع، وتعددت القراءات المرتبطة باسئلة تحتاج الى اجابات، من أهمها:
اولا- هل سيصل التحقيق الى مرحلة توجيه اتهام رسمي الى سلامة واصدار مذكرة توقيف في حقه؟
ثانيا- في حال استقال سلامة نتيجة هذه التحقيقات، أو أُجبر على الاستقالة، ما هي البدائل المطروحة لادارة السلطة النقدية التي يمثلها مصرف لبنان؟ أي ماذا بعد سلامة؟
ثالثا- هل من أهداف محددة لتوقيت فتح التحقيق الاوروبي، وهل ينبغي التفاؤل بهذا التوقيت، ام انه توقيت عبثي قد يزيد الأضرار على المستوى المالي والاقتصادي في البلد المنهار؟
الاجابات على هذه الاسئلة، يمكن ان تشكل خارطة طريق للوضع القائم اليوم، ولما يمكن ان يحصل غدا. لكن الاجابات غير متوفرة بالوضوح الكافي لكي يُبنى على الشيء مقتضاه.
وفي الانتقال من الوضع القضائي والمالي الى الوضع السياسي، يمكن الربط بين ما يجري في العدلية في بيروت، وبين الاجتماعات الفرنسية السعودية في باريس. وهذا الربط، يأتي من بوابة الاجابة على جزء من الاسئلة التي طُرحت في مطلع المقال. اذ، ان توقيت محاكمة سلامة بالتماهي مع الايجابيات السياسية التي تتمخض عن الاتفاق السعودي الايراني، يمكن ان يقود الى استنتاجات ايجابية بالنسبة الى المرحلة المقبلة.
وفي تفصيل اضافي، من المسموح الاعتقاد أن الفرنسيين الذين يشكلون رأس حربة في مقاربة الملف اللبناني، يعملون اليوم على خطين:
الخط الاول يقضي بتقديم نموذج للأطراف الداخلية في لبنان يبيّن لهم قدرة الخارج على محاسبة مسؤولين لبنانيين على جرائم الفساد السابقة التي ارتكبت في البلد.
الخط الثاني، ينصّ على الافادة السريعة من التوافق السعودي الايراني للوصول الى اتفاق دولي وعربي على معالجة الملف اللبناني، بدءأ بملف رئاسة الجمهورية، ووصولا الى سلة متكاملة تشمل رئاسة الحكومة المقبلة، والمواقع الحساسة وفي مقدمها حاكمية مصرف لبنان، وقيادة الجيش..
وفي هذا السياق، يمكن القول ان اختيار توقيت تسريع محاكمة سلامة متعمّد، انطلاقاً من معرفة الفرنسيين ان موعد الحل السياسي قد اقترب، وان مشكلة الفراغ في حاكمية مصرف لبنان لن تكون ذي أهمية، لأنها لن تطول، وستتم معالجتها ضمن السلة التي سيجري التوافق عليها.
وفي هذا السياق، يرى البعض ان المجتمع الدولي بقيادة فرنسية هذه المرة، يريد ان يمرّر رسالة الى السياسيين اللبنانيين مفادها انهم جميعا قد يتعرّضون للمحاسبة مستقبلا في حال استمروا في نهج الفساد المدمّر الذي اتبعوه في العقود الثلاثة الماضية. وفي الوقت نفسه، فان محاسبة سلامة قبيل انطلاق العملية السياسية لجهة اعادة الانتظام السياسي من خلال انتخاب رئيس للجمهورية، سيكون لها وقع ايجابي بحيث تعطي الانطباع في الداخل اللبناني، بأن ملف الانهيار المالي والاقتصادي الذي يعاني منه كل اللبنانيين لم يمر من دون محاسبة، وان واحدا من الرؤوس الاساسية في منظومة الفساد قد سقط.
ويذهب آخرون إلى القول، إنه حتى لو كان توقيت المحاكمة ليس متعمداً، وقد جاء بشكل عبثي، فانه سيفيد البلد في حال تزامن بالصدفة مع انجاز الاتفاق السياسي والبدء في تنفيذه.
لكن الخوف من العبثية يكمن في مكان آخر، اذ ماذا لو ان محاكمة سلامة جرت في معزل عن اي تقدّم في معالجة الملف السياسي، وبالتالي تمت ازاحة الرجل عن موقعه، ومن ثم غرق البلد في تجاذبات ايجاد البديل المؤقت. وقد صار معروفا ان رئيس محلس النواب لا يريد ان يتسلم الموقع نائب الحاكم الاول الشيعي، والذي سيضطر الى الاستقالة.
وهذا يعني حل المجلس المركزي لمصرف لبنان برمته، ويصبح المصرف بلا قيادة. وهنا ستكون الاشكالية معقدة، خصوصا ان تعيين حارس قضائي على المصرف سيكون موضع تجاذبات اضافية، سواء على هوية هذا «الحارس» او على المهام التي سيقوم بها في ظل الفراغ الكامل في قيادة المؤسسة التي تشرف على السياسة النقدية للدولة.
في الاستنتاج، وفي حال صحّت التقديرات في ان توقيت محاكمة سلامة مُتعمّد، وسيتبعه اتفاق سياسي شامل يعيد الانتظام الى الحياة السياسية في البلد، فان ذلك سيكون بمثابة خبر سار للبنانيين. أما اذا كان التوقيت عبثياً، ومضت الامور من دون اتفاق سياسي لفترة طويلة، فان ذلك سيكون بمثابة ضربة اضافية للوضع الكارثي القائم، وسيتحمّل اللبنانيون المزيد من ويلات الانهيار الذي لا يزال يبدو حتى اليوم من دون قعر.