هل سيعود زمن البابور والكاز؟

.

هل عاد زمن البابور؟ أمر بات مؤكدا اليوم، مع ارتفاع الطلب عليه سواء الجديد أو المستعمل.

في سوق الاثنين الشعبي، بات البابور حاضرا وبقوة، يتربع على عدد من البسطات ، ويشهد إقبالا عليه، لم يعد تحفة للزينة، بات للاستعمال حصرا، وهو أمر يؤكد شوقي أحد الباعة، لافتا إلى أن الإقبال غير متوقع، ما يؤكد تخوف الناس من الأسوأ، والأهم برأيه أنهم يتزودون بالكاز المخصص للبابور في دلالة على عودة البابور إلى الخدمة في القريب العاجل.

بين ال٨٠٠ ألف والمليون ونصف ليرة يتراوح سعر البابور اليوم، بعد أن كان سابقا ب٤٠٠ ألف ليرة لبنانية، ويعود هذا الارتفاع إلى حجم الطلب عليه والمرجح ارتفاعه أكثر كلما أشتد الخناق أكثر.
سابقا، اختفى البابور من التداول، وأكل الصدأ منه، حتى أن الناس رمته في تأكيد أنه «راح بلا رجعة». ما فعلته الحكومة بالشعب، ما زال قيد الدرس، كثر لم يستوعبوا بعد أن زمن البحبوحة ولّى إلى غير رجعة، وأن المصارف «أكلت» مدخرات الناس، والرواتب تحللت.

حقيقة واحدة يؤكدها بائع البوابير العتيق أبو يوسف أن البابور عائد، وأن الطهي سيكون عليه، يقر أيضا أن المواطن يبحث عن القديم، على قاعدة «غير قديمك ما يفيدك».
بين عدد من البوابير المعروضة، يجلس أبو يوسف، أكلت الشمس من وجهه، عادة ما كان يبيع البابور للزينة، مثله مثل كل الأواني النحاسية الأخرى، ما كان واردا في حساباته أن يزدهر عصر البابور من جديد، بدأ الأمر قبل أشهر، مع ارتفاع أسعار المحروقات، وزاد أكثر هذه الأيام.

ينهمك في عرض أحد البوابير على الزبون، يعلمه آلية استخدامه فهو يعتمد على «الإبرة» وهي تحدد جودته.

في حساباته الناس تعود إلى عصر الأجداد، ولن يكون مستغربا أن يلغي بعض المواطنين الغاز من منازلهم لصالح البابور والحطب، ما نعيشه من خضات وارتدادات كارثية، جعل من عودة الماضي أمرا مقبولا نسبيا، والأهم نفض كثر الغبار عن الآنية القديمة، حتى صوان للتيفال وهذه الماركات لن تكون بالمتناول أيضا، نظرا إلى تدهور العملة وتحللها.

يحتاج البابور كازا، وميزته أنه سريع في الطهي، ما يعني أنه «وفير»، غير أن له صوتا قويا، كصوت هدير الطيران، كان بمثابة سمفونية صباحية في المنازل، انسها الأطفال والكبار، قبل أن يختفي ثم يعود.

فهل حقا سيعود عصر البابور؟

على ما يبدو أن البابور سيكون سيد المرحلة المقبلة في المطابخ، وهو ما يؤكده شوقي فرحات آخر حرفي تصليح البوابير في منطقة النبطية، نفض الغبار عن عدته القديمة، وعاد إلى إصلاحها من جديد، في محله تتكدس البوابير العتيقة، تنتظر دورها لتعود إلى الحياة.

لم يصدق أنه عاد لمهنة تركها منذ زمن، ظن أن التطور طواها، غير أن أزمات لبنان أعادت العز لمهن الأجداد، ولن يكون مستبعدا عودة «المبيض».
لافتا إلى أن الناس أخرجت بوابيرها المعطلة وأتت بها لإصلاحها، تحسبا للأسوأ… وطبعا تختلف تسعيرة التصليح حسب نوع العطل، إن كان إبرة أو رأس البابور أو غير ذلك، ولا تقل لتصليحه عن ال٤٠٠ ألف ليرة لبنانية.

في محل في كفروة النبطية يعمل شوقي، تبدو علامات السعادة عليه، لم يكن يتوقع يوماً أن يعود به الزمن إلى مهنة طواها النسيان، مؤكدا أن الظروف القاهرة دفعت الناس لما هو غير متوقع.

عادة ما يحمل شوقي مجموعة من البوابير النحاسية إلى سوق الاثنين الشعبي، حيث زاد الطلب مؤخرا عليها.
سابقا كان يعتمد للزينة، وكجزء من التراث العتيق، بدلت الأزمة من هويته، وعاد للخدمة مجددا.
أمام بوابيره النحاسية يقف فرحات، ينهمك في بيع أحد الزبائن بابور صغير، هو الرابع الذي يبيعه في غضون ساعة.
ويقول «الأزمة إعادتنا إلى الوراء بدلا من اللحاق بالتطور». غير أنه يفرح أنه عاد إلى المهنة الأحب إلى قلبه، والذي توارثها أب عن جد.

يحافظ فرحات على الطهي على البابور، يعد عليه كل شيء من طعام وشاي وقهوة، ولا يستبعد أن يكون أداة المرحلة بعد اشتداد الأزمة إلى جانب الحطب.

أخبار ذات صلة