هل أصبح حاكم مصرف لبنان مُكبّل اليدين، وعاجزاً عن اتخاذ القرارات النقدية والتنظيمية، في هذه الحقبة؟
السؤال مطروح انطلاقاً من مجموعة مؤشرات، لعلّ أبرزها ما يتعلق بالقرار الذي اتخذته حكومة تصريف الأعمال في 18 نيسان الماضي، والذي نظمت من خلاله عمليات سحب وتحويل الأموال عبر المصارف. وطلبت في المقابل من مصرف لبنان إصدار تعميم مُكملٍ للقرار، يكون بمثابة آلية تنفيذية له.
هذا التعميم لم يصدر حتى الان. والسبب لا يتعلق برياض سلامة، بل ببقية أعضاء المجلس المركزي، الذين يرفضون حتى الآن، صدور هذا التعميم، رغم أن الذرائع التي يقدموها لهذا الرفض، غير منطقية وغير مُقنعة، ومنها أن القرار الحكومي غير قانوني، وأنه قد يتمّ الطعن به أمام المجلس الدستوري، كما قال بعض النواب. لكن هذه الذريعة لا تستقيم، لأن مصرف لبنان، ووفق قانون النقد والتسليف، يستطيع أن يفرض الكابيتال كونترول، لكنه لم يفعل حتى الان، لأسباب عديدة من ضمنها، أن سلامة لم يكن موافقاً على تحمّل هذه المسؤولية لوحده، خصوصاً أن المجلس المركزي لم يكن مكتملاً في ذلك الوقت، وبالتالي كان القرار سيصدر عن الحاكم حصراً من دون أي تغطية من المجلس النيابي أو الحكومة او المجلس المركزي في مصرف لبنان. لكن الوضع اختلف اليوم، لأن المجلس المركزي مكتمل، والحكومة غطّت أي تعميم قد يصدره المصرف. كذلك، فإن المجلس ناقش الكابيتال كونترول وأقرّته اللجان المشتركة، وهو لم يقرّ حتى الان في الهيئة العامة لأسباب سياسية لها علاقة برفض قوى سياسية ان يشرّع المجلس في هذه الفترة، طالما انه هيئة ناخبة.
لكن السؤال، ما هي الخلفيات الحقيقية لما جرى حتى الآن، ومن يعرقل صدور التعميم في المركزي؟
في المعطيات، إن سلامة الذي سبق واستمع إلى شكاوى المصارف حيال تأخّر صدور قانون ينظم العلاقة بين المودعين والمصارف، ويوقف الدعاوى التي يتم رفعها في الخارج، وتؤدي إلى استنزاف الأموال المتبقية في المصارف، ويحرم المودعين من عدالة توزيع هذه الأموال بالتساوي، صارح المصارف أنه جاهز لإصدار تعميم يكون بديلاً لقانون الكابيتال كونترول العالق في ساحة النجمة، ولكنه يحتاج إلى تغطية من السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وهكذا انتقلت المصارف إلى السراي، وطلبت المساعدة من رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الذي وعد بأنه سيتولى الملف، وسيحصل على موافقة نبيه بري، وسيعمد بعدها إلى إصدار قرار من الحكومة يغطّي سلامة لاصدار التعميم المنتظر.
وبالفعل، نجح ميقاتي في إقناع بري بضرورة صدور قرار حكومي في هذا الاتجاه، لدرء الاخطار عن القطاع المصرفي الذي قد يصل إلى الافلاسات، في حال استمر نزف الاموال عبر الدعاوى في الخارج. وهكذا حصل، اذ تولى وزير المالية يوسف الخليل مهمة التقدّم باقتراح إصدار قرار الكابيتال كونترول في خلال اجتماع مجلس الوزراء في 18 نيسان.
حتى هذه النقطة، كانت الامور تمضي في الاتجاه الصحيح، لكن المفاجأة حصلت عندما رفض أعضاء في المجلس المركزي الموافقة على صدور التعميم المطلوب. والغريب أكثر في هذا الموضوع، أن الرفض جاء من قبل الاعضاء المحسوبين على رئيس المجلس النيابي، الذي سبق ووافق على صدور القرار الحكومي لتغطية التعميم.
لماذا قد يكون بري وافق في البداية ودفع في اتجاه صدور القرار الحكومي، ومن ثم تراجع عن قراره؟
لا معلومات أكيدة حتى الآن، لكن مصادر مصرفية تقول ان بري متردّد حيال مسألة الكابيتال كونترول منذ البداية. وهو سبق أن أعطى موافقته على طرح القانون في الحكومة السابقة، وعندما قام وزير المالية الذي يمثله، غازي وزني، بطرح الاقتراح في جلسة الحكومة، غضب بري، وطلب منه سحبه فورا، وهكذا صار!
اليوم تتكرّر قصة ابريق الزيت من دون ان تتضح الخلفيات. فهل ان بري خائف من ردة فعل الناس حيال هذا الموضوع، ام انه لا يريد ان تُسجل عليه سابقة ان تكون الحكومة قد «قوطبت» على المجلس النيابي وقامت بدوره وتجاوزت صلاحياته؟ في كل الاحوال، يبقى السؤال، لماذا يوافق بري، ومن ثم يتراجع؟
هذه هي قصة الكابتيال كونترول، العالق في المجلس النيابي منذ اشهر طويلة، والذي يؤدي غيابه إلى استمرار المواجهات بين المصارف والمودعين، لأن كل طرف لا يعرف ما هي حقوقه وواجباته، واستمرار نزف الاموال من المصارف. ورغم خطورة هذا الوضع، لا مؤشرات حتى الان، إلى أن الضوء الاخضر سيُعطى لتنظيم هذه الوضع، ومعالجة المشكلة مؤقتاً، بانتظار أن يصبح المجلس النيابي قادراً على ممارسة دوره.