تحاول المصارف اللعب برواتب القطاع العام، كنوع من التخفيف من عمليات صيرفة، لا مبرر آخر لما حصل مع علي الموظف الذي بدلا من أن يتقاضى راتبه عن أشهر ٨و ٩ و١٠ من عام ٢٠٢٢ والبالغ ١٢ مليون و٥٠٠ ألف ليرة، أبلغه المصرف أن راتبه تحول إلى بطاقة شرائية، أي لا يحق له تقاضيه نقدا، أو تحويله إلى صيرفة.
قاسي جاء وقع الخبر على علي الأبُّ لطفلين الذي يعمل في دائرة الشؤون الاجتماعية في الريحان، إذ لا يكفيه عدم تقاضيه راتبه شهريا، إلا وفرض عليه أن يشتري سلعا غذائية وتموينية.
منذ شهر ويراجع علي المعنيين من وزارة الشؤون الاجتماعية إلى فرنسبنك حيث يوطن راتبه، ولكن لا جواب واضحا، فالوزارة تؤكد لعلي أنه حولت المبلغ نقدا، أسوة بكل الرواتب، في حين يقول المصرف إن المصرف المركزي حول المبلغ بطاقة شراء، وهنا ضاعت الطاسة، فما الذي يحصل.
هي بداية أزمة جديدة تنتظر موظفي القطاع العام، معالمها بدأت مع عدد من الموظفين، وقد تكر السبحة، فالقضية لا تقف عند الراتب، بل أيضا المساعدات المرضية والتعليمية ستحول إلى بطاقة شرائية، أي وقف التعامل النقدي، وفرض قيود جديد على الموظف، فكيف سيتعامل مع المستجد الجديد.
يقول علي إنه لم يتخل عن حقه، حتى نقداً رفضوا أن أقبضه، إذا احتجت إلى دواء كيف أشتري من كيس السكر مثلا، ماذا لو أردت تعبئة بنزين من السوبر ماركت، هذا خطير.
ماذا حصل مع علي، وهل تتجه المصارف إلى سياسة وقف التعاملات النقدية وحصرها بالشرائية، وماذا سيترتب على الأمر؟ كل العلامات تشي أن هناك مخططا يتم حبكه في ملف رواتب القطاع العام، التي تأخرت وزارة المالية في دفعها حتى الساعة، والأخطر أن كل موظف يتقاضى راتبه بطريقة مختلفة، بعضهم وفق سعر صيرفة ال٦٠ ألف ليرة، وبعضهم وفق ال٩٠ ألفا وهناك من أصبح راتبه بطاقة شرائية.
تفاجئ علي برسالة نصية من فربنسبك تخبره أن راتبه ال١٢ و٥٠٠ ألف ليرة دخل في حساب البطاقة الشرائية، وأن رصيده الكاش صفرا، رسالة عكرت صفوة حياة علي الذي سأل وزارة الشؤون الاجتماعية التي يعمل في أحد فروعها عن السبب، فكان الجواب لا علم لبنان. وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار دخل على الخط، فما حصل سرقة موصوفة، ويتابع القضية عبر مستشارته التي اتصلت بعلي وأخبرته أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي، وان المبلغ جرى تحويله نقدا إلى المصرف المركزي، ويجب أن يتقاضاه نقداً.
غير أن فرنسبك وفق علي أخبره أن المصرف المركزي هو من حول المبلغ بطاقة شرائية، ومن غير الجائز تحميله مسؤولية ما حصل، وعليه مراجعة المصرف المركزي.
هي قصة إبريق الزيت إذا، فالصراع على أوجه بين المصارف والموظفين، لا سيما أن المسألة لا تقف عند راتب علي الذي خسره، وحرمه من صيرفة ومن ال٢١٠ دولارات، بل أيضا تطال المساعدات المرضية والتعليمة.
يشار إلى أن المصرف يحاول تبرير موقفه بأن لا عِلاقة له، في محاولة منه لرمي التهمة على مَصْرِف لبنان، ويقول علي أنهم يحاولون ثنيه عن إثارة القضية، أو رمي التهمة على المصرف، على قاعدة «ما تحكي كرمال ما تخسر»، وأكثر يقول «إذا كان هناك خلاف أو صراع بين المصارف والبنك المركزي، أنا من دفع الثمن، فأنا لم أتمكن من الذَّهاب إلى عملي بسبب فقدان السيولة».لافتا إلى أن مستشارة وزير الشؤون الاجتماعية تتابع القضية لأنها قد تصيب أي موظف آخر».
هي سرقة من نوع آخر تبتكرها المصارف اليوم، تحويل الرواتب أو المساعدات المرضية لموظفي القطاع العام إلى حسابات بطاقات شرائية، أي الشراء فقط في السوبر ماركت، سرقة وقع ضحيتها عدد من الموظفين الذين بدأوا يتلقون رسائل نصية تخبرهم أن راتبهم تم تحويله إلى بطاقة الشراء، وحين مراجعة الموظف المصرف، يرمي الأخير التهمة على مَصْرِف لبنان، بحجة أنه حول المال إلى بطاقة الشراء.
ليال وهي موظفة في قسم النفوس في النبطية وقعت أيضا في الفخ عينه، جرى تحويل المساعدة المرضية إلى شرائية، ووفق قولها يقولون لنا ممنوع إن نقصد الطيب أو نملأ خزان السيارة بنزينا وحتى شراء دواء، يحاصروننا أكثر.
لا تتردد بالقول إنّ ما يحصل سرقة مرتين مرة خلال تحويل الراتب إلى البطاقة بحيث يتقاضى المصرف عمولة، ومرة أثناء الشراء داخل السوبر ماركت التي تأخذ ٢٠ بالمئة عمولة أيضا. وهنا تعقب بالقول: هل هي لُعْبَة جديدة لوضع اليد على ما تبقى من رواتبنا المتحللة، أو نوع من دفعنا لترك العمل.
بالمحصلة، يقع موظفو القطاع العام كبش محرقة الخلافات المصرفية القائمة، وما تحويل الرواتب إلى بطاقات شرائية إلا بداية لزيادة الخناق على الموظف.