النفط سيعاود الارتفاع وقد يتجاوز الـ100 دولار

.

مع بدء تنفيذ قرار «اوبك+» اجراء تخفيضات طوعية لانتاج النفط بمقدار 1.66 مليون برميل يومياً، منذ الاول من ايار/مايو 2023، أظهرت ذبذبات السوق النفطي، صوابية هذا القرار الذي نجح بفضل الاتفاق السعودي-الروسي.

ما جرى منذ الاعلان عن قرار خفض الانتاج، ان اسعار النفط التي تجاوبت في الايام القليلة الاولى مع الخطوة، وارتفعت قليلا، عادت وسجلت انخفاضات متتالية أثارت استغراب بعض المراقبين. وفي الواقع، انخفض سعر خام غرب تكساس الوسيط ‏من 83.26 دولارا للبرميل في 12 نيسان/أبريل إلى 68.85 دولارا في 3 ايار/مايو، بينما ‏انخفضت أسعار خام برنت من 87.33 دولارا إلى 72.54 دولارا للبرميل في الفترة نفسها.‏

هذا الانخفاض الذي سبق موعد البدء في تنفيذ قرار خفض الانتاج، في الاول من ايار/مايو، أشاع الارتياح لدى من قرر خفض الانتاج، وفي مقدمهم المملكة العربية السعودية التي كانت اتخذت قرار الخفض، فيما كانت حليفتها الولايات المتحدة الاميركية تطالبها بزيادة الانتاج. اذ أظهر تراجع الاسعار، مدى صوابية وضرورة خفض الانتاج للحفاظ على الحد الأدنى من استقرار الاسعار.
لكن النفط وصل حالياً الى مستويات اسعار منخفضة، لا تتناسب وحسابات الدول المنتجة التي بنت حساباتها على اساس ان البرميل سيتراوح بين 85 و90 دولارا. فهل يمكن الوصول الى هذا السعر، ومتى؟

قبل الحديث عن احتمال ارتفاع اسعار النفط مجدداً، لا بد من التطرّق الى الاسباب التي قد تكون ساهمت في انخفاض السعر بهذه النسبة الكبيرة، في شهر نيسان/ابريل. وهناك مروحة من الاسباب والاجتهادات والتحاليل، في قراءة ما جرى، من أهمها:
اولا- مواصلة الفدرالي الاميركي سياسة رفع الفوائد، بما اعطى اشارة الى ان النمو الاقتصادي قد يتأثر سلباً، بما يعني ضعف الطلب على النفط في المستقبل.
ثانيا- استمرار زيادة شحنات الخام الروسية على الرغم من العقوبات والحظر. ‏وقد أفادت «رويترز» أن شحنات النفط في نيسان/أبريل من الموانئ الغربية لروسيا في طريقها ‏لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ العام 2019 بأكثر من 2.4 مليون برميل في اليوم.‏
ثالثا- لا يزال الاحتياطي النفطي حول العالم كبيرا، رغم انخفاض الاحتياطي الاميركي. وقد بدأ هذا الفائض النفطي الكبير في النمو في ‏أواخر عام 2022. ويقدّر المحللون أن ‏مخزونات النفط الحالية أعلى بمقدار 200 مليون برميل مما كانت عليه في بداية ‏عام 2022.‏
رابعا- ظلت الشكوك في امكانية تعافي الاقتصاد الصيني قائمة، وبالتالي، لم يدفع هذا العنصر في اتجاه دعم أسعار النفط.

ضمن هذه المعطيات، وبعد بدء تنفيذ خفض الانتاج، تشير التحاليل إلى أن اسعار النفط ستعاود الارتفاع، ولن تصل إلى المستويات التي كانت عليها في بداية العام 2023، بل ستتجاوزها لتقترب مجدداً من سقف الـ100 دولار للبرميل. متى يمكن ان يحصل ذلك؟ وما هي المعطيات التي تسمح بترجيح صوابية هذه التحاليل؟

تورد المؤسسات الدولية المتخصصة مجموعة من المعطيات والمؤشرات، من أبرزها:
اولا- استمرار تراجع المخزون الاحتياطي، بما يعني ان هذا التراجع، وفي نقطة محدّدة سوف يدفع الاسعار صعوداً.
ثانيا- صدور تقرير لـ«غولدمان ساكس» يوصي فيه بشراء اسهم الطاقة والتعدين. ويتوقع البنك ان يصل سعر البرميل بين 95 و100 دولار في حد أقصى مداه 12 شهرا.
ثالثا- يستند محللون دوليون على عامل انخفاض النفقات الرأسمالية، وزيادة عدم اليقين في شأن التوسّع في ‏الإمدادات المستقبلية، وارتفاع علاوة المخاطر الجيوسياسية، للاستنتاج بأن اسعار النفط ستواصل صعودها التدريجي في الاشهر المقبلة.
رابعا- توقعات بتحوّل الفائض النفطي الحالي إلى عجز في الاشهر القليلة المقبلة، خصوصا بعد بدء تنفيذ قرار خفض انتاج «اوبك+» ، منذ الاول من ايار/مايو الجاري.
خامسا- أبقى بنك الاستثمار السويسري «يو بي إس» على توقعاته الإيجابية لأسعار النفط، في ظل شح محتمل للإمدادات مع تنفيذ تخفيضات «أوبك+» وزيادة الطلب على النفط خلال الأشهر المقبلة. كما توقّع المصرف أن تصل أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل في منتصف العام، ثم ترتفع إلى 105 دولارات للبرميل بدءا من أيلول/ سبتمبر 2023 حتى نهاية العام.

ضمن هذه المعطيات، يُفترض ان تكون اقتصاديات الدول المنتجة للنفط، وفي مقدمها دول الخليج العربي، محمية من اية نكسات تتعلق بتراجع اسعار النفط. وستنهي هذه الدول العام 2023، على فوائض في موازناتها. لكن المشكلة تبقى لدى اقتصاديات الدول غير المنتجة للنفط. وتبدو المشكلة أشدّ تعقيداً، لدى الدول التي تعاني من أزمات مالية كما هي الحال في لبنان، وايضاً في مصر حيث يؤدي تراجع سعر العملة الى ارتفاع التضخم، وتراجع القدرات الشرائية للمواطنين، وكلما عمدت السلطات الى مواجهة المشكلة من خلال دعم اسعار المحروقات، كلما زاد الضغط على المالية العامة. وبالتالي، المشكلة قائمة في الحالتين.