هل من رسائل في تحركات عبد اللهيان والبخاري؟

.

كلما سمع المسؤولون اللبنانيون من موفدين عرب وأجانب، كلاماً مفاده ان الاستحقاق الرئاسي ينبغي ان يُحسم في الداخل اللبناني، وان لا علاقة للدول في اختيار رئيس للبنانيين، كلما زادت القناعة لدى هؤلاء المسؤولين، ان الملف لم يصبح جاهزا بعد، وانه ينبغي الانتظار لفترة اضافية، الى أن تتفق الدول المعنية على صيغة موحدة تتيح انتخاب رئيس للبلاد!

هذا المناخ يعكس حجم الاستسلام الداخلي لما سيقرره الخارج. وهذا ما يفسر ربما، التحليلات والقراءات المتناقضة التي تعقب زيارة اي مسؤول عربي او اجنبي الى لبنان. اذ تتعدّد القراءات، وتذهب في اتجاهات مختلفة، بحيث ان كل فريق، يحاول تفسيرها وفق مصلحته، او وفق تمنياته، او يحاول ترويج ما يعتبر انه قد يخدم مصالحه وتطلعاته.

هذا الامر تكرّر مرات عدة حتى الآن، كان آخرها الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان الى بيروت، حيث تفاوتت التحليلات بين ان يكون جاء لدعم حزب الله في توجهاته من حيث تبنّي ترشيح سليمان فرنجية، وبين ان يكون قدومه للطلب من حزب الله تلطيف موقفه، وفتح حوار للتفاوض على امكانية الاتفاق على مرشح آخر، يحظى بالاجماع.

النموذج الثاني في هذا الموضوع، ظهر من خلال التحركات الأخيرة التي قام بها السفير السعودي في لبنان، وليد البخاري، حيث زار عددا كبيرا من المسؤولين والسياسيين والقيادات الحزبية. وقد فسّر البعض هذه الجولة التي أعقبت زيارة عبد اللهيان، بأنها تهدف الى خلق نوع من التوازن مع التحركات الايرانية.
لكن التفسيرات التي أعطيت للمواقف التي اعلنها البخاري، او استنادا الى ما نقله البعض عن مواقفه خلال الاجتماعات المغلقة التي عقدها مع السياسيين، بدت متناقضة. وكان لافتا ان البعض ركّز على مسألة ان السفير اكد ان بلاده لا تضع فيتو على احد، معتبرا ان هذا الموقف يعني بوضوح ان المملكة لم تغلق الباب امام امكانية موافقتها على المرشح سليمان فرنجية، في حال حظي بتوافق لبناني كاف لايصاله الى بعبدا. وقد ترسّخت هذه القراءة اكثر، بعد زيارة فرنجية الى البخاري. في موازاة هذا التفسير، كان هناك تفسيرات مختلفة، تقول ان البخاري، انما اراد من هذه الجولة اعادة تأكيد موقف بلاده السابق، الرافض لوصول اي مرشح محسوب على محور الممانعة.

ويقول من تبنّى هذا التفسير، انه من غير المنطقي، ان يعتقد البعض ان السعودية قد تبدّل موقفها اليوم، بعدما بدأت فرنسا نوعا من الاستدارة، بسبب تبلغها رفضاً اميركياً لاندفاعتها في اتجاه دعم مرشح الممانعة دون سواه. فهل يعقل ان تبدّل الرياض موقفها في هذا التوقيت، في حين انها لم توافق على مرشح الممانعة عندما كان الضغط الفرنسي في هذا الاتجاه في أوجّه، ولم تكن هناك مؤشرات رفض اميركي للتحركات الفرنسية؟

في النتيجة، كل فريق حاول تفسير مواقف كل من عبد اللهيان والبخاري وفق ما يشتهيه. لكن اللافت ان القاسم المشترك العلني على الاقل بين الرجلين، اصرارهما على ان الاستحقاق الرئاسي لبناني بامتياز، وان على اللبنانيين الاتفاق فيما بينهم على هوية رئيسهم المقبل.

لكن النقطة الاضافية في مواقف البخاري، انه شدّد ايضا على ان بلاده لا توافق على استمرار الفراغ. وبالتالي، اراد ان يقول ان الامتناع عن التدخّل المباشر، لا يعني السماح لأي طرف باستغلال هذا «الحياد» لفرض الفراغ بديلاً من الاتفاق على رئيس.

في المحصلة، وفي ظل انتظار ما قد يستجدّ من مواقف دولية واقليمية في الايام المقبلة، هناك مرحلة ترقّب داخلي، ولا يبدو أنه يوجد أي فريق سياسي في الداخل مؤمن بقدرة اللبنانيين على اختيار رئيسهم.

وعندما يُقال لأي من هؤلاء، ان طهران والرياض تؤكدان انهما لن تتدخلا في الاستحقاق، وان اتفاقهما في بكين لا يشمل التدخّل في الشؤون الداخلية للبلدان التي قد تتأثر بهذا الاتفاق، يأتي الجواب بأن هذا الكلام مجرد مواقف تكتيكية تتكرّر دائما، ولطالما تكررت في مناسبات شبيهة، ليتبيّن لاحقاً انها لا تعكس الواقع على حقيقته. وبالتالي، فان كل الرهانات، وبصرف النظر عن التصريحات التي تستهدف الاستهلاك المحلي، لا يمكنها ان تغيّر في الواقع شيئاً. والواقع، ان الاستحقاق الرئاسي لن يحصل من دون تفاهمات خارجية، وكل ما عدا ذلك مضيعة للوقت.