لم يكن الرئيس نبيه بري مازحاً في إعلانه أن الخامس عشر من حزيران (هذا العام!) هو الموعد الضروري و «الأخير» الذي يفترض أن ينتخب فيه رئيس للجمهورية اللبنانية لأسباب عديدة. من هذه الأسباب الواجبة، أن حوالى ستة أشهر ستكون مرت على آخر دعوة للانتخاب. فآخر جلسة حضرها النواب كانت الخميس في ١٩ كانون الثاني من هذه السنة. يومها كانت الجلسة الرقم ١١. وقد حضرها ١١١ نائباً من أصل ١٢٨. وقد حصل المرشح ميشال معوض، على ٣٤ صوتاً، فيما صوّت ٣٧ نائباً بورقة بيضاء. وقد نال عصام خليفة ٧ أصوات، وزياد بارود صوتين، وأدوار حنين صوتاً واحداً. إضافة إلى «أوراق أخرى» : واحدة، وأوراق ملغاة: ٣٠ . الرئيس بري رفع جلسة انتخاب الرئيس في الدورة الثانية لفقدان النصاب.
وبسبب عدم اكتمال نصاب الدورة الثانية من الجلسة، خرج رئيس المجلس من القاعة بدون تحديد موعد جديد لانتخاب رئيس للجمهورية.
هذه المدة الزمنية والسياسية الطويلة، رافقها رفض القوى النيابية المسيحية خصوصاً لعقد جلسات نيابية تشريعية. المجلس معطل إذاً لانتخاب الرئيس ولإقرار قوانين يراها البعض ضرورية للناس. السبب الثاني الواجب، هو الذي أعلنه بري بنفسه وهو مرتبط بموعد انتهاء فترة حاكمية مصرف لبنان. فقال «لا نقبل ولا يجوز القبول باختيار حاكم لمصرف لبنان من دون أن يكون لرئيس الجمهورية كلمة في هذا الأمر. والأمر كذلك ينسحب على موقع قياده الجيش»، آملاً أن يشكل الشعور بالمخاطر الناجمة عن الوصول إلى الشغور في موقع حاكمية مصرف لبنان حافزاً لكافة الأطراف من أجل تذليل كل العقبات والعوائق التي تحول دون انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت ممكن .وافق السيد حسن نصرالله رئيسَ المجلس في ذلك بالأمس حين رفض أن تقوم حكومة تصريف الأعمال بالتمديد للحاكم الحالي أو الذهاب نحو تعيين حاكم جديد بعد حزيران. وقال: «لسنا مع تعيين حاكم لمصرف لبنان ولذلك لم نذهب لتعيين مدير عام للأمن العام فنحن مع التزام حكومة تصريف الأعمال ضمن صلاحياتها الدستورية وعدم تعدي هذه الصلاحيات». ليخلص إلى أنه «لا تعيين ولا تمديد لحاكم مصرف لبنان وعلى الجميع تحمل مسؤولياته وعدم التخلي عنها».
السبب الثالث في «أسباب بري» هو الأجواء الإقليمية والدولية «المشجعة والملائمة» لانتخاب الرئيس.
يمكن البناء على ما تقدم أننا عرفنا الموعد، لكن لم نعرف الاسم؟!
صار معروفاً أن تحرك السفير السعودي في لبنان وليد البخاري الميداني يهدف إلى تشجيع اللبنانيين على «المضي قدماً» لانتخاب رئيس من دون أن تتدخل المملكة في الاسم. وهو استقبل «المرشح» سليمان فرنجية وزار في اليوم الثاني «المرشح النقيض» ميشال معوض. وحركة الموفد القطري وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد عبد العزيز الخليفي هي في هذا الاتجاه نحو تعبيد الطريق للبنانيين كي يتفقوا وكذلك الحراك المصري والفرنسي والأميركي. الكل يشجع اللبنانيين فيما اللبنانيون ينتظرون كلمة الخارج.
في هذا الإطار يقول النائب في كتلة الاعتدال الوطني أحمد الخير لصحيفة «السهم» إن لقاء الكتلة مع السفير السعودي وليد البخاري كان ودياً. الكتلة سمعت من السفير أن المملكة ليس لديها أسماء للرئاسة تتبناها. وفي الوقت نفسه فهم النواب أن السعودية لا تعطل الانتخاب إطلاقاً وليس لديها أي «فيتو» على الأسماء ومنهم سليمان فرنجية. السعودية لا تحكم على الأشخاص. مشروع المملكة في المنطقة هو مشروع تنموي تعاوني بينها وبين الدول. مشروعها الواضح الذي يقوده الأمير محمد بن سلمان، مبني على التعاون مع حلفاء استراتيجيين ضمن «أطر مستدامة». والاستثمار في البلدان العربية يكون على أمد طويل وثابت ولا يرتبط بأشخاص. في الموضوع اللبناني، تنتظر المملكة السياسات التي ستتبع من أي أشخاص سيأتون إلى الحكم. الرئيس، ورئيس الحكومة، والحكومة والبرنامج الإصلاحي. هذا هو موقف المملكة الواضح، ينقل النائب الخير.
في المقابل، ينقل مصدر نيابي معارض أن «خلاف المعارضة الحاد على عدم الاتفاق على اسم جدي لينافس اسم سليمان فرنجية قد يوصل سليمان فرنجية إلى الرئاسة عبر بوابة الثنائي الشيعي وآخرين». وأكد أن جو الممانعة الذي يوحي وكأن المملكة قد «وافقت على سليمان» ليس صحيحاً. وطالب النائب من معارضي انتخاب فرنجية إبداء المزيد من المسؤولية والتواضع للجلوس مع المعارضين الآخرين واختيار اسم شخصية في أسرع وقت ممكن يمكن أن تحوز على ٦٥ صوتاً. يعتبر الرجل أن أصوات سليمان فرنجية لا تزيد اليوم عن ٥٠ وإلا لكان الثنائي قد بادر، ولكان دعا الرئيس نبيه بري إلى «الجلسة ١٢» للانتخاب بعد طول انقطاع. يحاول الثنائي ومعه طبعاً أنصار الوزير السابق فرنجية استمالة نواب سنة وآخرين مسيحيين. لكن بحسب النائب المعارض لم يستطيعوا النجاح حتى الآن. ينتظر سليمان فرنجية برأيه «الديل» (الصفقة) بين حزب الله والسيد جبران باسيل كي يذهب نواب التيار لتأمين النصاب لانتخاب فرنجية. عاد الحديث إلى صفقة مع الرئيس العتيد لإعطاء العونيين مناصب «مسيحية» أساسية كقائد الجيش المقبل وحاكم المصرف وغيرهما مقابل تأمين النصاب للانتخاب.
هل يحصل هذا السيناريو؟ تقول مصادر معارضة إن «الجميع ينتظر كلمة سر أميركية. فإنه إذا رأى الأميركيون جدوى من وصول فرنجية إلى الحكم في لبنان فإنهم يمشون به. وهم ليسوا بعيدين عن السعودية رغم الاتفاق الأخير بين الرياض وطهران». الأميركيون يقولون في مجالس خاصة:«فرنسا فشلت في حراكها للإتيان برئيس للبنان». يعتقد البعض أن الولايات المتحدة ستقول كلمتها قريباً بانتظار أن تراقب المشهد كاملاً خصوصاً في جدة التي تستضيف سوريا بعد انقطاع دام ١٢ عاماً. كذلك عند الأميركيين أجندتهم الخاصة. أسأل النائب المعارض:«هل يتم الانتخاب في ١٥ حزيران». يجيب:«واشنطن ليست مستعجلة». إضافة إلى أن النواب في الصيف يكونون «في إجازة»!