الملف اللبناني: ما قبل قمة جدّة… كما بعدها

.

رغم الأهمية التي تتسمّ بها القمة العربية التي ستعقد في مدينة جدة اليوم الجمعة، سواء لجهة مكان انعقادها، أو لجهة إقرار عودة سوريا الى الحاضنة العربية، أو لجهة توقيتها في أعقاب إنجاز الاتفاق التاريخي السعودي-الايراني، إلا أن اللبنانيين لا يعلّقون كبار الآمال على أي تقدّم يمكن إحرازه في القمة، لمعالجة أزماتهم المتراكمة. ورغم ان الملف اللبناني سيكون مدرجاً على جدول اعمال النقاشات، وسيحظى بلفتة في البيان الختامي للقمة، إلا أنه سيكون مجرد محطة مبدئية تكرّر فيها الدول العربية حرصها على لبنان، وحلّ أزماته.

ولا شك في ان الدول العربية لن تكون قادرة على الحلول مكان اللبنانيين في معالجة مشاكلهم، خصوصا في ظل التناقضات المحلية القائمة، والمرتكزة بدورها على خلافات خارجية لم تصل بعد الى مستوى التفاهمات على خارطة طريق للحل.

ويبدو الملف اللبناني، ورغم انه متشابك، مقسوماً الى ثلاثة اجزاء اساسية، لا تستطيع القمة العربية مقاربة اي جزء منها بالفعالية المطلوبة:
اولا- ملف الاستحقاق الرئاسي، وما يتفرّع منه سواء لجهة التوافق على رئاسة الحكومة، او قيادة الجيش، او ما يُعرف بالحصص السياسية، التي قد تكون هناك حاجة للتفاهم في شأنها مسبقاً، ضمن سلة التفاهم على هوية الرئيس العتيد.
ثانيا- ملف النازحين السوريين، والذي بات يحظى باهتمام مركّز في الفترة الاخيرة، ويحظى بشبه إجماع لبناني على ضرورة معالجته فورا.
ثالثا- الانهيار المالي والاقتصادي، والذي يحتاج بدوره الى تفاهمات داخلية تتيح الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وهو ممر إلزامي للخروج من الأزمة.

ضمن هذه التقسيمات، لا تبدو نتائج القمة العربية واعدة في امكانية معالجة اي جزء من هذا الملف الشائك، ولو ان مناخ التوافق العربي، بما فيه عودة سوريا الى الجامعة العربية، قد يسهّل مهمة المساعدة في المستقبل.

في الملف الرئاسي، قد تكتفي القمة بترداد موقف كلاسيكي يدعو الى ضرورة تفاهم اللبنانيين على انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن. لكن، لن تكون هناك مبادرات عملية للمساهمة في تسريع حسم الاستحقاق. وحتى لو تمّ تشكيل وفد عربي لزيارة لبنان، سيكون بمثابة لفتة معنوية، غير حاسمة في معالجة الملف. ويبقى الاستحقاق مرتكزا بالدرجة الاولى على تفاهم اميركي-فرنسي-سعودي، ينعكس على مواقف الاطراف في الداخل. هذا التفاهم لا علاقة للقمة في مقاربته.
اما ملف النازحين السوريين، فانه يحتاج الى ضمان مجموعة عوامل، من ضمنها موافقة المجتمع الدولي على فتح هذا الملف. اذ ان المواقف الدولية، سيما منها الاوروبية، لا تزال متشدّدة حيال هذا الموضوع، ولا تتجاوب مع الدعوات اللبنانية للمساعدة في إنجاز عودة النازحين الى بلادهم. كما ان الملف يحتاج الى موافقة صريحة، وتعاون عملي من قبل النظام السوري. وحتى الان، لم يتفق اللبنانيون على طريقة مقاربة التعاطي مع نظام بشار الاسد.

وبالتالي، لن تكون القمة العربية مناسبة لاطلاق هذا الملف، بل سيتم الاكتفاء، كما هي الحال في الملف الرئاسي، في الدعوة الى التعاون لضمان العودة الآمنة لكل النازحين السوريين الى بلادهم. وهذه الدعوة ستشمل لبنان والاردن بشكل خاص، حيث يتوزّع العدد الاكبر من النازحين. وبالتالي، لن تكون هناك اي خطوة عملية او استثنائية حيال معالجة الملف في وقت وشيك.

اما في الملف المالي، فقد بات معروفا ان الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية، لن تقدّم المساعدات المالية الى لبنان، قبل انجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. وهذا الامر اصبح من الشروط المعلنة، والتي وردت سابقا في البيانات التي أصدرتها دول الخليج، سواء بشكل مشترك، ام كل دولة على حدة. وبالتالي، وفي حال تطرقت القمة العربية في مناقشاتها، ام في بيانها الختامي الى هذا الموضوع، فانها ستقاربه من الزاوية نفسها، أي انها ستحضّ السلطات اللبنانية على انجاز الاصلاحات المطلوبة، من اجل تسهيل عقد اتفاق تمويل مع صندوق النقد الدولي، لفتح الباب امام المساعدات والاستثمارات العربية المحتملة.

من خلال هذا الواقع يمكن الجزم بأن ما قبل قمة جدة، سيكون كما بعدها، ولن يشكل اي فرق يُذكر بالنسبة الى الملف اللبناني. ولكن الزخم السعودي قد يزداد في اتجاه محاولة تحريك الملف الرئاسي في لبنان، انطلاقا من الدور المحوري الذي باتت تلعبه المملكة في العالم العربي، وسيترسّخ هذا الدور اكثر بعد القمة.