كما كان متوقعاً، تحولت قضية رياض سلامة الى عنصر اضافي ضاغط في الملف الرئاسي. وكان المراهنون على هذه القضية يحسبون ان نهاية شهر تموز هو الموعد النهائي الذي يُفترض ان يشكّل موعدا لا يمكن تجاوزه من دون رئيسٍ للجمهورية، اذا أراد المسيحيون الاحتفاظ بحق المشاركة الفاعلة في اختيار حاكم جديد للمركزي. واعتبر البعض ان رئيس المجلس النيابي نبيه بري يراهن على هذا الموعد لحثّ الاطراف على تسريع الخطى نحو انتخاب رئيس. وهذا ما يبرّر ربما اختيار بري 15 حزيران، موعدا لعقد جلسة انتخابية.
وفي حساباته، ان هذا التوقيت مناسب لكي يتم انتخاب رئيس، لتكون له كلمة الفصل في اختيار هوية حاكم المركزي الجديد.
لكن صدور مذكرة التوقيف الدولية في حق سلامة، رسمت علامات استفهام في شأن امكانية استمراره حتى نهاية ولايته في تموز، اذ أن الضغوطات تزداد، وقد يضطر الرجل الى الاستقالة، او قد تضطر الحكومة الى اقالته قبل الموعد المحدّد، وفي هذه الحالة ماذا سيكون مصير حاكمية البنك المركزي؟
في اطار هذا الواقع الجديد الذي فرضته التطورات القضائية، يسعى بري الى حثّ الاطراف على تسريع الخطى نحو خوض الانتخابات بمرشحين اثنين او ثلاثة، ووضع حدّ لفكرة تعطيل النصاب خوفاً من وصول سليمان فرنجية.
لكن المعارضة، التي حاولت في الفترة الاخيرة أن توحّد صفوفها حول مرشح واحد يجري الاتفاق عليه، لخوض المعركة في وجه فرنجية، فشلت حتى الان في بلوغ هذه الخاتمة السعيدة. ولا تشير المعطيات الى أي تقدّم حقيقي تحقّق في هذا الاتجاه.
وما زاد في الشكوك في شأن عجز المعارضات عن التوافق على اسم واحد، اللقاء الذي جمع أخيراً رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مع الحاج وفيق صفا. اذ طُرحت تساؤلات كثيرة حول النتائج التي قد يكون خرج بها اللقاء. وبرأي خصوم باسيل، انه سيكون عاجزا عن اتخاذ موقف حاد في وجه حزب الله.
ويقول هؤلاء، ان باسيل، وإن كان ابتعد قليلا عن الحزب، إلا انه لا يزال يقيم وزناً للرجعة، فهو لن يضع كل البيض في سلة المعارضة، سيما أن خصمه رئيس حزب القوات اللبنانية هو الأقوى في صفوف المعارضة، وباسيل لم يصل إلى مرحلة يستطيع فيها الرهان على الاستمرار في التعاون مع حزب القوات، حتى لو خاضا معركة الرئاسة بمرشح مشترك. وفي الاساس، حزب القوات لا يثق بباسيل، ولا يخفي هذه الشكوك، بل انه لا يزال يطلق مواقف علنية ضد رئيس التيار الوطني الحر. وبالتالي، كيف سيثق هذا الطرفان بأنهما يستطيعان التعاون في معركة الرئاسة؟
كذلك فان المساعي العديدة التي جرت، ومن ضمنها ما قام به نواب تغييريون، باءت كلها بالفشل. ولم تصل المساعي حتى الان الى تقريب المسافات بين المواقف، للوصول الى مرشح مشترك للمعارضة.
هذا الواقع يعني ان موعد 15 حزيران لن يكون حاسما كما توقع البعض، وان حسابات بري قد لا تصيب هذه المرة ايضا. وبالتالي، فان المعارضة، وإن كان بعض اطرافها سبق وأعلن انه لن يعمد الى سلاح تعطيل النصاب، لمنع وصول فرنجية الى بعبدا، ستعمد الى تعطيل النصاب كورقة أخيرة تملكها في وجه فرنجية، الذي يمتلك فرصا كبيرة في الوصول، في حال تم تأمين نصاب النصف زائد واحد في الجلسة الثانية.
وما زاد في هواجس المعارضة في هذه المرحلة، الموقف الرمادي الذي اتخذه زعيم الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط. فقد حيّد نفسه عن الاستمرار في انتخاب مرشح المعارضة ميشال معوض، لكنه لم يتمركز بطبيعة الحال، حتى الان على الاقل، مع المرشح فرنجية. ويعتقد البعض، ان جنبلاط سيستمر في هذا الموقف شبه الحيادي، ما دام الموقف السعودي لم يتغيّر. ومع ذلك، فان بعض المعارضين يخشون ان يباغت جنبلاط الجميع بتغيير موقفه والانتقال إلى الضفة الاخرى من النهر.
كل هذه المعطيات تسمح بالاستنتاج أن الملف الرئاسي لا يزال يدور في حلقة مفرغة كما كانت الحال منذ اليوم الاول للفراغ. وبالتالي، قد تكون هناك مرحلة اضافية من الانتظار، وسيكون على الحكومة، ومعها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ان يجدوا صيغة حل لمسألة حاكمية مصرف لبنان، خصوصا اذا ما اضطر سلامة الى مغادرة منصبه قبل موعد نهاية ولايته في تموز المقبل.