بين جدَّة وهيروشيما

.

على مقربة من أحد الأنهر في مدينة هيروشيما ، يقوم مبنى أطلق عليه إسم ” قبة القنبلة الذرية ” ، وهو قريب من مقر اجتماعات مجموعة الدول السبع غرب اليابان .

زعماء الدول السبع جالوا في حديقة مخصصة للاحتفاظ بذكريات ما بعد القنبلة الذرية التي ألقتها القوات الأميركية بتاريخ 6 آب 1945 ، عندما أسقطت طائرة أمريكية من طراز B-29 القنبلة ، والتي تسببت بمقتل ما يقارب ال 140 ألف ياباني .

زعماء الدول السبع سمعوا أثناء جولتهم مصطلح ” هيباكوشا ” وهو مصطلح ياباني يطلق على الذين نجوا من القصف الذري لكنهم عانوا آثاره المستمرة مثل التسمم الإشعاعي والصدمات النفسية.

عندما انفجرت القنبلة على ارتفاع 600 متر في الهواء، كان العديد منهم يعملون في المنطقة. توفي ما لا يقل عن 6000 شاب في سن المدرسة على الفور. لا تزال النصب التذكارية للطلاب وكل مدرسة موجودة في حديقة هيروشيما التذكارية للسلام بالقرب من مكان عملهم.

اليابان اليوم تعيش هاجس الدول التي تملك أسلحة نووية ، وفي طليعتها كوريا الشمالية والصين ، ولا شك أن الرئيس الأميركي جو بايدن الذي حضر قمة هيروشيما ، حمل معه ” الزر النووي” .
ماذا يعني كل هذا ؟

وجد المحللون تفسيرًا لحضور الرئيس الأوكراني فلودومير زيلنسكي قمة هيروشيما ، مغايرًا لمغزى حضوره القمة العربية في جدة . المجتمعون في هيروشيما اجتمعوا وأجمعوا على الوقوف إلى جانب “رأس الحربة” زيلنسكي في مواجهة ” الدب الروسي” ، لكن في قمة جدة ، حيث ألقى زيلنسكي خطابًا، كان العرب منقسمين بين روسيا وأوكرانيا ، وكلمة ” ضيف الشرف” لم تنزل بردًا وسلامًا على مؤيدي روسيا من الدول العربية.

في قمة جدة ، مشاركون لديهم في بلدانهم عواصم ومدن شبيهة بهيروشيما بعد إلقاء القنبلة الذرية عليها ، من العاصمة اللبنانية بيروت بعد انفجار ، أو تفجير المرفأ ، في سوريا الدمار يوازي ما شهدته هيروشيما من دمار، في السودان يتضاعف الدمار مع استمرار الحرب التي دخلت شهرها الثاني ، ليبيا ليست أفضل حالًا حيث الحرب المتقطعة مستمرة فيها ، اليمن بدورها في دمار هائل .

هناك خمس دولٍ عربية حال عواصمها وبعض مدنها شبيه بحال هيروشيما بعد الدمار الذي سببته القنبلة الذرية .
ولهواة المقارنات، قمة هيروشيما انعقدت لمواجهة خصم إسمه بوتين، قمة جدة انعقدت من دون وجود خصم . قمة هيروشيما تتطلع إلى التفوق على الخصم الروسي ، أو على الأقل منعه من التغلب على أوكرانيا ، قمة جدة تتطلع إلى ” صفر خصوم ” .

من جدة إلى هيروشيما ، هناك عملية خلط أوراق منقطعة النظير، فما بعد قمة جدة بالنسبة إلى الدول العربية ، غير ما قبلها ، وما بعد قمة هيروشيما غير ما قبلها . قمة جدة أعادت الرئيس بشار الأسد إلى الجامعة العربية ، فيما القمة السابقة شغل مقعد سوريا فيها أحد أركان المعارضة معاذ الخطيب من ” ائتلاف المعارضة السورية” ، ولم يقتصر الأمر آنذاك على هذا الحد بل كان هناك سعي لكي تحصل المعارضة السورية على مقعد سوريا في الامم المتحدة .

في القمة السابقة كان الحدث خروج النظام السوري وحلول المعارضة محله ، اليوم الحدث هو عودة النظام السوري واندثار المعارضة.
لكن هل هذا هو ” تصفير المشاكل ” كما يتم الترويج له ؟ ما زال الأختبار في أول الطريق ، فمَن يعتبر أنه انتصر ، يفترض فيه أن يحصِّن انتصاره ، ومَن يعتبر أنه هُزِم وأن خياراته لم تُصِب ، لن يستسلِم بسهولة، الطريق مازالت طويلة ومحفوفة بالمخاطر ، وفي مقابل كل ” صفر مشاكل ” ، هناك رقم جديد يولَد لمشكلة جديدة ، خير دليل على ذلك انفجار الوضع في السودان ، هناك شبه إجماع لدى محللين كثر أن انفجار الوضع في السودان ليس عفويًا ، وللتذكير فإن إحدى ” ضفتي ” البحر الأحمر تقع على شواطئ السودان ، فيما الضفة الأخرى تقع على شواطئ السعودية ، فهل هي مصادفة أن تندلع حرب قبالة الشواطئ السعودية في وقتٍ تجهد المملكة للإنتهاء من إحدى الحروب على جانب من حدودها ، اليمن ؟

لعل ثمن السِلم أغلى بكثير من أثمان الحرب، لكن يبدو أن قرار السِلم اتخِذ ، ليبقى ” شيطان التفاصيل ” كامنًا وجاهزًا للتخريب .