قمة جدة: هل يجني لبنان من زرع ولي العهد السعودي؟

بوشيكيان لـ«السهم»: بن سلمان قائد عربي رؤيوي

.

أجمع المراقبون على اختلافهم أن نجم «قمة جدة» لم يكن الرئيس السوري بشار الأسد ولا الرئيس الأوكراني الضيف فولودومير زيلينسكي بل ولي العهد السعودي – رئيس الوزراء الأمير محمد بن سلمان. وعلى الرغم من الاهتمام الإعلامي الذي ناله الأسد وزيلينسكي كلٌ من موقعه، فإن بن سلمان بقي الأساس. الرئيس السوري أخذ اهتماماً بلا ريب – بعد انقطاع الحضور السوري في القمم العربية لاثني عشر عاماً بسبب الحرب السورية وفظاعتها وتداعياتها. والرئيس الأوكراني جذب الأنظار لأن بلاده تعاني بدورها من حرب ضروس تخضوها مع روسيا.

أهمية وجود الرئيس «ذي البذة الخضراء» في جدة، أنه يحضر لأول مرة إلى المملكة وربما إلى الخليج العربي. وهو أكد في تغريدة على تويتر أنه سيبني علاقات مع هذا البلد العربي الكبير. كما أُعلن أن أوكرانيا ستوثق علاقاتها مع السعودية والإمارات وسلطنة عمان.

عودة إلى الأمير محمد. لا شك أن قمة جدة نجحت نجاحاً موصوفاً من ناحية الإعداد والتحضير والنتائج. عودة سوريا إلى العرب واحدة من الأهداف التي وضعها ولي العهد ونجح فيها. سواء كنتَ تحب النظام السوري أم تكرهه، فإن السعودية ترى في عودة سوريا إلى الحضن العربي فائدة للشعب السوري. وترى أن إعادة الأسد إلى العرب خير من بقائه في الحضن الإيراني بشكل كلي. كما أن هدف المملكة الأخير هو الإنسان السوري وعودة النازحين السوريين إلى بلادهم آمنين. لا ننسى أن ولي العهد نفسه كان قد وضع خطة مع الصين للاتفاق مع إيران. حلّ المشكلة مع الإيرانيين يعني تسهيل كل الأمور العالقة الأخرى. تفاوض السعوديون مع الإيرانيين بمظلة صينية وتوصلوا إلى اتفاقهم الشهير في بيجينغ. يشاهد العالم اليمن يستقر مع مرور الأيام، والتسوية مع إيران أثمرت سلاماً هناك. والموضوع السوري وضع على السكة. يبقى لبنان.

يعرف الجميع أن القادة السياسيين في لبنان – أو معظمهم يعيشون في زمن غير هذا الزمن. الأنانية تطغى عليهم والمصالح الشخصية تسبق مصالح الناس. مصلحة اللبنانيين اليوم أن يكونوا في ركب الدول المتقدمة وعلى الأقل على مستوى الدول «الطبيعية». الفساد والزبائنية عند المسؤولين أعادت لبنان مئة سنة إلى الوراء سواء في المال أو الاقتصاد أو الاستشفاء والصناعة والسياحة وكل مناحي الحياة.

ويُجمع الخبراء أنه من دون الدعم الخليجي خصوصاً السعودي لن تقوم قائمة في البلد. من أجل ذلك، طالب العديد من السياسيين والمواطنين حزب الله أن لا يورط اللبنانيين جميعاً بخلافه السياسي مع المملكة. هذا الأمر كلف اللبنانيين ما لا يطيقونه على كل المستويات. اليوم الأمور تتغير. إيران – وهي الحليف الديني والسياسي لحزب الله تطبع مع المملكة.

وبالتالي سوف لن نرى في الآتي من الأيام أي تصعيد من قبل حزب الله باتجاه المملكة وهذا ما بدأنا نلمسه إعلامياً منذ توقيع اتفاق بيجينغ.

شارك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في قمة جدة ممثلاً لبنان ومعه عدد من الوزراء. ينقل هؤلاء أجواء إيجابية عن نظرة السعودية إلى لبنان وما قد ينتج عنها من انعكاسات في المستقبل القريب. يقول وزير الصناعة جورج بوشيكيان الذي شارك في القمة في حديث خاص مع «السهم» إن الأمير محمد بن سلمان هو «فارس عربي حقيقي وعنده نظرة جديدة للمنطقة. يريد أن تكون هناك سوق عربية مشتركة على شاكلة السوق الأوروبية المشتركة». يعتبر الوزير أن مرحلة بن سلمان هي «نقلة جديدة في تاريخ العرب». الأمير محمد يريد سلاماً في منطقتنا وهو يرسي التوافقات مع كل الدول ومكوناتها لدعم المشاريع الإنمائية والاقتصادية الكبرى بحسب وزير الصناعة. ماذا رأى في السعودية؟ يجيب: «السعودية تغيرت. هناك سعودية «جديدة» ولاحظنا انفتاحاً في المجتمع. لكن المحبة السعودية للبنان باقية على قدمها! الشعب السعودي عنده محبة للبنان لا تتغير». وكيف يمكن استفادة لبنان من هذه الظروف الجديدة مع المملكة؟ «يجب أن نستفيد من علاقتنا مع السعودية لتحسين بلدنا. يجب أن نحافظ على مصالحنا طبعاً لكن علينا الحفاظ على مصالح المملكة. السعودية ترى في لبنان شقيقاً، ولها امتداد جغرافي وتاريخي وعرقي معه».

في السياسة يرى السعوديون أن على اللبنانيين أن ينتخبوا رئيساً للجمهورية وأن يعملوا على بناء المؤسسات المنخورة. في الوقت الذي مازالت المصالح العامة والدوائر اللبنانية معطلة صار السعوديون ينجزون معاملاتهم الحكومية فضلاً عن الخاصة عبر تطبيقات تلفوناتهم الذكية. على اللبنانيين تقليد السعوديين. وعلى الحكومة الجديدة أن ترشّد الأداء بشكل فوري وحتمي.

من جانبه يقول وزير الاقتصاد أمين سلام العائد من جدة لصحيفة «السهم» إن التعاطي السعودي مع كل من الرئيس نجيب ميقاتي والوزراء كان إيجابياً بالفعل. وهو رأى خلال اجتماعاته «انفتاحاً على لبنان ومع لبنان». ويؤكد أن المملكة تعيش اليوم ضمن رؤية ٢٠٣٠ في أجواء تنفيذ مشاريع كبرى والتخطيط لمشاريع هائلة. يعتقد وزير الاقتصاد أن لبنان يمكن أن يستفيد من علاقاته الطيبة مع المملكة إذا أحسن استثمارها. هناك «ورشة كبرى في المنطقة وإعادة إعمار سوريا جزء منها. يجب على لبنان أن يركب قطار الإعمار». ينقل الوزير سلام عن وزير التجارة السعودي الدكتور ماجد القصبي محبته للبنان وبأن المملكة لا تتخلى عن بلدنا. قال الوزير السعودي لسلام إن على الجيل الشاب من القيادات اللبنانية أن يعملوا «ماركتينغ (تسويق) للبنان من جديد».

العلاقة الاقتصادية بين البلدين بحثها سلام مع وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي فيصل الإبراهيم في لقاء ودي وإيجابي. الوزير سلام أكد أنه سيدعو الوزيرين السعوديين لزيارة بيروت قريباً. وفهم من المسؤوليْن أنهما قد يلبيان الدعوة «في الوقت المناسب».

إيجابيات في القمة العربية و«زرعٌ» تنموي واستثماري وتطويري في المنطقة كلها، يسقيه ولي العهد السعودي الأمير محمد. هل سيأكل لبنان من هذا الزرع ومتى؟ لننتظر الرئيس المقبل وحكومته والمُصلحين.