رغم الجمود الظاهري الذي اكتنف ملف الاستحقاق الرئاسي في الايام القليلة الماضية، بسبب طغيان ملف حاكم مصرف لبنان على ما سواه، إلا ان ثلاث مؤشرات أوحت بأن الاستحقاق الرئاسي لا يزال اولوية مطلقة في المشهد السياسي في هذه الحقبة.
المؤشر الأول ظهر في الحركة الكثيفة وغير المعهودة من قبل سياسيين لبنانيين باتجاه باريس. ويبدو ان الايحاءات التي أعطتها السلطات الفرنسية بأنها غير متمسكة بأي مرشح، هي التي شجعت على هذه الاندفاعة في اتجاه «الأم الحنون» لجسّ النبض، والترويج لأفكار ومقترحات بديلة من المرشح الذي تحاول باريس ايصاله. مع الاشارة، الى ان زيارة وفد نواب المعارضة، برئاسة فؤاد مخزومي، وإن كان يهدف الى نقل وجهة نظر المعارضين في الموضوع الرئاسي، إلا أن البعض يعتبره مجرد حملة سياسية يتولاها مخزومي للقول انه بات جاهزا لتولي رئاسة الحكومة في المرحلة المقبلة. أما زيارة رئيس التيار الوطني جبران باسيل فتختلف من حيث الخلفيات والاهداف، اذ بات واضحا ان باسيل يريد إقناع الفرنسيين بالتخلي عن دعم سليمان فرنجية لمصلحة مرشح توافقي يحظى بشبه إجماع. ويبدو ان رئيس التيار الوطني استشعر بعض التغيير في الموقف الفرنسي، الامر الذي شجعه الى الانتقال الى العاصمة الفرنسية لنقل وجهة نظره في هذا الاتجاه. وفي المعلومات ان الفرنسيين ابدوا تفهما وانفتاحا على الافكار التي طُرحت من دون ان يحسموا في اي أمر.
المؤشر الثاني تمثل في تكثيف اجتماعات افرقاء المعارضة بهدف الوصول الى تسمية اسم مشترك يكون مرشحا في وجه المرشح فرنجية. وفي هذا السياق، لوحظ ان الفريقين الاساسيين في المعارضة المسيحية، التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، باتا يستخدمان لغة مختلفة في توصيف العلاقة بينهما، بما أوحى بتقدّم المفاوضات التي تجري بين الفريقين. ويبدو ان تمنيات البطريرك بشارة الراعي تلقى الآذان الصاغية لدى كل من القوات والتيار، وهما يحاولان بناء مدماك من الثقة بينهما، قد يساعد في تفاهمهما على اسم مرشح مشترك. ويمكن بعد ذلك محاولة التفاهم مع بقية اطراف المعارضة، للتوافق على اسم واحد. لكن الوصول الى هذه النتيجة ليس قريبا حتى الان، ولا تزال المشاورات تجري على اكثر من جبهة، وبورصة الاسماء تتحرك صعودا ونزولا، بما يعني ان التوافق على اسم قد يستغرق فترة طويلة.
المؤشر الثالث يتمثل بالاشارات التي أعطاها الثنائي الشيعي الداعم لترشيح فرنجية. اذ جاء حديث الامين العام لحزب الله ليؤكد ان الحزب لا يزال مستعدا للتفاوض مع الاطراف الاخرى في موضوع الرئاسة. وانه يريد مفاوضات بلا شروط مسبقة. في المقابل، كان لافتا الموقف المفاجئ الذي اعلنه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والذي رفع من خلاله معادلة جديدة تقول ان من معه أقل يعطي من معه أكثر. والمقصود بهذا الكلام ان المعارضة التي لم تنجح في جمع اصوات موازية للاصوات التي جمعها مرشح الثنائي الشيعي، عليها ان ترضخ لهذا الواقع، وان توافق على انتخاب فرنجية. وبصرف النظر عن الانتقادات التي تمّ توجيهها الى هذه النظرية، الا ان بعض المعارضين قرأوها بشكل ايجابي، اذ اعتبروا ان بري، وإن كان ظاهرياً يطرح ان تُماشي المعارضة الثنائي في دعم فرنجية، انطلاقا من ان الاخير يستطيع ان يجمع اصواتاً اكثر من مرشح المعارضة، الا أن ذلك يعني ايضا ان رئيس المجلس اعترف بطريقة غير مباشرة بعجز الفريق الذي يمثله عن ايصال مرشحه.
وبالتالي، فان المعادلة الملتبسة التي يطرحها قد يكون الهدف منها ايصال رسالة الى المعارضين مفادها ان الفريق الممانع يدرك انه عاجز عن ايصال مرشحه، وان الفرصة متاحة لفتح مفاوضات قد تقود الى التوافق على مرشح مشترك يحظى بالاجماع.
ضمن هذه المؤشرات الثلاث التي أحاطت بالملف الرئاسي في الايام الاخيرة، يتجه البطريرك الماروني بشارة الراعي الى باريس، للاطلاع على الموقف الفرنسي، ولحمل وجهة نظر بكركي حيال هذا الملف. وكان الراعي يأمل في ان يحمل معه اسم مرشح يكون قد اتفق عليه المسيحيون، اي التيار والقوات. لكن يبدو ان هذا الامر لن يتحقق، لأن المفاوضات بين الطرفين لا تزال طويلة. ويبقى السؤال، هل سيعود الراعي من العاصمة الفرنسية باتفاق على المسلمات، يسمح بالقول ان الاستحقاق الرئاسي سيُحسم في اسرع وقت ممكن؟