إنجلي رافال سيميون كير ونجمة بوزرغمر وكلوي كورنيش ونيل مونشي وجوزيف كوتيريل وهبة صالح وجدعون لونغ (فايننشال تايمز) –
حرب أسعار النفط التي تشنّها المملكة العربية السعودية، تستهدف ـــــ ظاهريا ـــــ روسيا، التي رفضت طلب المملكة بأن تقوم الدول الأعضاء في «أوبك» وموسكو بتعميق وإطالة تخفيض الإنتاج لتحقيق التوازن لسوق النفط الخام. لكن موسكو في وضع أفضل من معظم الدول الأخرى لتحمّل انخفاض الأسعار. وربما كانت الدول الأعضاء الأخرى في منظمة أوبك والدول المنتجة الأخرى الأضعف اقتصادياً، من خارج المنظمة، هي التي ستعاني كثيراً من انهيار التحالف النفطي.
أحد مؤشرات الخطر على كل بلد هو سعر البرميل الذي تحتاجه كل دولة منتجة، من أجل تلبية متطلبات الإنفاق من أجل الحفاظ على توازن الميزانية الوطنية.
من أجل البقاء
إيران، على سبيل المثال، التي تضررت جراء العقوبات الأميركية، ستحتاج نظرياً سعر 195 دولاراً للبرميل لموازنة إنفاقها، وفقاً لأرقام صندوق النقد الدولي، في حين تحتاج الجزائر سعر 109 دولارات للبرميل. وحتى اقتصادات الخليج، التي لديها احتياطيات مالية أعمق، فليست محصّنة من الصدمة. فالإمارات العربية المتحدة، تحتاج أن يكون السعر في مستوى 70 دولاراً للبرميل الواحد، في وقت تحتاج السعودية سعر 83 دولاراً للبرميل الواحد.
ومع وصول سعر برميل النفط الخام الآن إلى 36 دولاراً، فهذا يعني أن الدول الأعضاء في «أوبك» قد تحتاج خفض احتياطياتها من النقد الأجنبي، أو زيادة أسعار النفط المحلية لزيادة الإيرادات أو الاقتراض من أجل البقاء. يمكن أن تؤثر حركة العملات، اعتماداً على كيفية تسعير براميل النفط، على تأقلم الدول، ولكن الآثار المترتبة على من كانوا حلفاء للملكة ذات يوم، ستكون شديدة في جميع المجالات.
الخليج
في الخليج، حيث تدعم عائدات النفط جميع النفقات ويبقى القطاع الخاص مدمناً على الإنفاق الحكومي، وضعت الإجراءات السعودية قنبلة موقوتة تحت اقتصاد كل جيرانها.
وستواجه دول الخليج الست، بما في ذلك السعودية، عجزاً مالياً يقارب 140 مليار دولار هذا العام إذا كان متوسط الأسعار حوالي 30 دولاراً للبرميل. وسيفرض ذلك تخفيضات مؤلمة في الإنفاق والاقتراض الإضافي، في الوقت الذي كان قادة هذه الدول يأملون في أن يكون التعافي الاقتصادي من انهيار الأسعار الأخير في عام 2014 قد بان في الأفق.
دول الخليج الأكثر ثراء ــــــ الكويت والإمارات وقطر ـــــ لديها احتياطيات مالية كبيرة، للتخفيف من وطأة تراجع أسعار النفط. لكن البحرين، التي لجأت إلى الدول المجاورة الأكثر ثراءً لمساعدتها في 2018، هي الأكثر تضرراً. وستواجه عُمان، تحت قيادتها الجديدة، أكبر عجز مالي في المنطقة إذا بلغ متوسط الأسعار 30 دولاراً للبرميل، أي ما يقرب من 22 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
إيران والعراق
العراق، ثاني أكبر منتج في «أوبك»، لديه تكاليف إنتاج منخفضة نسبياً ولكن اقتصاده من أقل الاقتصادات تنوعاً في المنظمة، ما يجعل الحكومة معتمدة بشكل كبير على عائدات النفط. فبعد عقود من الاضطرابات، ضاعف العراق الإنتاج منذ عام 2010، وكان لديه فوائض في الميزانية في السنوات الأخيرة فشل في استثمارها. ومع ذلك، حذّر المتحدث باسم وزارة النفط العراقية عصام جهاد يوم الثلاثاء من العواقب الاقتصادية السلبية لحرب الأسعار، التي جاءت في وقت تجد فيه السلطات العراقية نفسها تحت الضغط بالفعل بسبب شهور من الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
وقال وزير النفط الإيراني بيجان نامدار زنكنه إن اجتماع «أوبك» كان من أسوأ الاجتماعات التي شهدها على الإطلاق. ولكن مع القيود المفروضة على الإنتاج بفعل العقوبات الأميركية، فإن حرب الأسعار لم يكن لها تأثير كبير. وبينما لا تنشر إيران أرقام الصادرات، يُقدر محللون أن قيمة شحنات النفط في العام الماضي، ربما لم تبلغ سوى بضع مئات من آلاف الدولارات، معظمها إلى الصين. وعلى الرغم من أن إيران تواصل عجزها الكبير، تقول طهران إن تخفيض صادرات النفط قد تمت معالجته بالفعل، من خلال زيادة الضرائب والاقتراض وخفض دعم الطاقة.
أفريقيا
دفع انهيار أسعار النفط الأخير في عام 2014 نيجيريا، أكبر منتج في أفريقيا، إلى الركود الذي لما تزال تتعافى منه. فقد صرّحت زينب أحمد، وزيرة المالية النيجيرية، يوم الإثنين، بأن الحكومة ستخفض ميزانيتها لعام 2020، والتي تستند إلى متوسط سعر برميل النفط عند 57 دولاراً. ويمكن أن تتخذ الحكومة قرارا بخفض قيمة العملة المحلية.
يمكن أن يكون التأثير الاقتصادي أسوأ في أنغولا، حيث سعى الرئيس جواو لورينسو إلى استخدام أكبر برنامج لصندوق النقد الدولي في أفريقيا لتعزيز الإيرادات غير النفطية وإصلاح عملتها. يقول أليكس فاينز، الخبير في شؤون أنغولا ورئيس برنامج أفريقيا في مركز تشاتام هاوس للأبحاث: «ستعتمد أنغولا بشكل أكبر على النوايا الحسنة لصندوق النقد الدولي».
وتعتمد الميزانية لعام 2020 في الجزائر، التي تشهد احتجاجات مناهضة للحكومة منذ عام كامل، على أسعار نفط عند 60 دولاراً للبرميل. وتشمل الميزانية تخفيضاً بنسبة 9.2 في المئة في الإنفاق العام. وكان يتوقع أن يصل العجز الى 7.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ويقول ريكاردو فابياني، مدير مجموعة الأزمات الدولية في شمال أفريقيا: «قد لا يكون خفض الأسعار سيئاً للغاية، إذا كان لمدة شهر أو شهرين فقط، ولكن إذا كان ذلك لمدة أطول، يجب على الدولة الإسراع في اعتماد إجراءات تقشّفية».
أميركا اللاتينية
في أميركا اللاتينية، من المرجح أن يكون التأثير الأكبر في فنزويلا، حيث يمكن أن يؤدي إلى إسقاط الحكومة. وفي الإكوادور، حيث يمكن أن تدفع البلاد نحو التخلّف عن تسديد ديونها.
لقد انخفض إنتاج فنزويلا من النفط بالفعل إلى أدنى مستوى له منذ أربعينيات القرن الماضي بسبب سوء الإدارة. واستقر الإنتاج عند حوالي 700 ألف برميل في اليوم، لكن كاراكاس تبيع بخصم كبير لإغراء المشترين الذين يشعرون بالقلق من الوقوع في دائرة العقوبات الأميركية. سيؤدي انخفاض آخر في الأسعار إلى الضغط على حكومة نيكولاس مادورو، وربما تجفيف كل ما تبقى من إيراداتها.
بيعت سندات الإكوادور بشكل حاد في الأيام الأخيرة كرد فعل على انخفاض أسعار النفط. وأنفقت الدولة، التي انسحبت من «أوبك» في يناير، معظم العام الماضي، في محاولة لإبقاء صفقة إقراض صندوق النقد الدولي التي تبلغ قيمتها 4.2 مليارات دولار، وبحلول نهاية عام 2019، بدا أنها نجحت في ذلك. لكن افتراضاتها لعام 2020 تستند إلى سعر نفط أعلى من 50 دولاراً للبرميل، وقد يؤدي التراجع المطول في الأسعار إلى إجبار الصندوق على إعادة تقييم الاتفاق.