هكذا تستطيع الدول النامية تحمل تداعيات كورونا.. أكثر من الغنية

الدول الكبرى ضاعفت برامج التحفيز باستثناء الصين التي قلصتها

. خبراء الاقتصاد يواصلون دراسة تداعيات كورونا

روشير شارما- (فايننشال تايمز)- السّهم

في ظل التداعيات الخطيرة لجائحة كورونا التي أدت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مختلف دول العالم، تناقش الدول الغنية «تقديم حوافز مالية كبرى» أثناء الوباء، تجري الدول الناشئة مناقشات مختلفة. يتعلق الأمر بمدى صعوبة دفع الإصلاح -ومن المرجح أن يخرجوا بنتائج يصعب عليهم تطبيقها.

عندما ظهر الوباء العام الماضي، كانت العديد من الدول الناشئة لا تزال تكافح. الآن، وبالنظر الى افتقار هذه الدول إلى الأموال اللازمة لإنعاش اقتصاداتها من خلال برامج التحفيز، ليس لديهم خيار سوى دفع الإصلاحات التي تعزز الإنتاجية.

لن يكون لدى البلدان الناشئة الموارد المالية لتضاهي الإنفاق التحفيزي للدول الأكثر ثراءً. لكن خلال الأزمة المالية لعام 2008، عرضت الدول الناشئة حوافز كادت أن تكون سخية مثل البلدان الغنية. وقد أمكنهم تحمل ذلك، لأنه بعد سنوات من النمو الهائل، توفر لديهم فائض من المال.

ومع ذلك، لم ينتج عن كل هذا الإنفاق سوى القليل من النمو، وخلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كافحت هذه الدول لسداد ديونها مع تباطؤ النمو.

ويُظهر البحث الذي أجريته (الكاتب) أن الدولة الناشئة النموذجية قد زادت من التحفيز الإجمالي -بما في ذلك الحوافز المالية والنقدية وكذلك ضمانات الائتمان -من 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2008 إلى 9 في المائة في عام 2020. ولكن هذا كان فائضاً بسيطا مقارنة بالدول المتقدمة، والتي ضاعفت الانفاق أكثر من ثلاث مرات من 10 في المائة إلى 33 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في نفس الفترة. وفي الواقع، أنفقت الدول المتقدمة على برامج التحفيز، ما يقرب من أربعة أضعاف ما أنفقته الدول الناشئة خلال عام 2020.

زيادة الانتاجية

بدلاً من بحث حزم التحفيز الكبرى، تقدم الدول الناشئة مجموعة من الإصلاحات لزيادة الإنتاجية وتعزيز النمو. فالهند تتصدر عناوين الأخبار بسبب احتجاجات المزارعين ضد إنهاء الحماية الزراعية، لكن هذا مجرد جزء واحد من جهد أوسع لتعزيز المنافسة الخاصة وتحويل الإنفاق الحكومي بعيدًا عن الهبات وتوجيهها نحو البنية التحتية.

وخفضت إندونيسيا العام الماضي الضرائب والقيود، وخففت قواعد العمل، وبدأت في اتخاذ خطوات لفتح القطاع المالي. وخفضت الفلبين نسبة الضريبة على الشركات.

تفرض مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قيودًا جديدة على الإنفاق الحكومي، وسمحت السعودية والامارات للأجانب بشراء الشركات المحلية والمنازل. حتى البرازيل ذات الإنفاق الضخم تتحرك لاستعادة السيطرة على ميزانيتها من خلال تقليص حجم المعاشات التقاعدية وتسهيل الاستغناء عن العاملين في القطاع العام وخفض مستحقاتهم.

التحول الأكبر

لقد حدث التحول الأكبر في الصين. على الرغم من الإشادة بإنفاقها التحفيزي لعام 2008 على نطاق واسع “لإنقاذ” الاقتصاد العالمي، فقد ساهمت الديون الناتجة في تباطؤ حاد في النمو. الآن بكين تستجيب بشكل مختلف جدا. ففي حين أطلقت جميع البلدان المتقدمة الرئيسية حوافز أكثر بكثير في عام 2020 مقارنة بعام 2008، قدمت الصين حوافز أقل: حوالي 9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ 13.5 في المائة في عام 2008.

هذه الحكاية عن استجابتين مختلفتيْن للوباء هي تذكير بأن الدول الناشئة لديها أفكارها الخاصة حول البقاء اقتصادياً. بالعودة إلى التسعينيات، عندما ضربت الأزمات المالية الدول الناشئة من روسيا إلى تركيا وتايلاند، حث صندوق النقد الدولي، الدول الناشئة على الحفاظ على ضبط الإنفاق ورفع أسعار الفائدة، إلى جانب الإصلاح الهيكلي لتعزيز النمو. ولجأ قادة العالم النامي إلى برامج تقشف وحشية.

الآن، ينصح صندوق النقد الدولي الدول الغنية والفقيرة بأن تعير اهتماما أقل بعجز الميزانية والإنفاق بسخاء. وتبحث كل الدول الناشئة للحصول على مساعدة صندوق النقد الدولي، والعديد منها يشرع في حملات إصلاح هيكلي تشبه إلى حد بعيد، ما كان الصندوق يقترحه في التسعينيات.

عندما يمر الوباء، ويتلاشى الاندفاع لبرامج التحفيز، لن تكون تبعات الفيروس محسوسة بنفس الدرجة عند كل الدول. من المرجح أن تتحسن آفاق نمو الدول الناشئة. وتستعد الدول المتقدمة، التي أقدمت على إنفاق هائل وإرجأت الإصلاح، لنمو أبطأ تثقله الديون. ومن المرجح أن تواجه نفس الدرس القاسي الذي واجهته الدول الناشئة بعد أزمة عام 2008: التحفيز المتسرع والندامة بعد ذلك.