مارس 29, 2024

اخبار ذات صلة

القضاء أطلق رصاصة الرحمة على خطة الحكومة


من حيث المبدأ، سقطت خطة الحكومة الجديدة قبل ان ترى النور رسمياً. واذا كان الهدف من توزيع تفاصيل الخطة كاملة قبل نحو ثلاثة اسابيع من موعد طرحها لمناقشتها على طاولة مجلس الوزراء، هو رصد ردود الفعل، ومحاولة إقناع كل الاطراف المعنية بجدواها، فان ردود الفعل، مضافاً اليها الحكم الذي أصدره مجلس شورى الدولة، تقود الى الاعتقاد ان الخطة سقطت قبل ان ترى النور.
وقد صار معروفاً ان الخطة المذكورة جمعت بين مشروع اعادة هيكلة المصارف، وبين اعادة الانتظام المالي والتعافي. وكان يُفترض ان تشكّل ركيزة صالحة للخروج من الأزمة، وبدء مسيرة التعافي. لكن تبيّن من خلال ما ورد في الخطة انها تدور في حلقة مفرغة، وان من وضعها عاد الى النغمة القديمة نفسها، والتي تقضي باعفاء الدولة من التزاماتها، واعفاء مصرفها المركزي من التزاماته، وتوزيع ما تبقى من اموال في المركزي والمصارف على المودعين، في اطار خطة وهمية تنصّ على اعادة 100 الف دولار وما دون لكل المودعين. ويتبين من خلال الارقام المتوفرة، ان هذا الامر سيؤدي الى حرمان قسم كبير من المودعين من الحصول على الـ100 الف دولار، حتى لو تمّت تصفية كل موجودات المصارف القائمة، وأجبرت هذه المصارف على بيع اصولها في لبنان والخارج.
هذا الواقع دفع كل الاطراف المعنية الى معارضة الخطة ورفضها، والمطالبة بتعديلها، خصوصا لجهة توزيع الخسائر، من خلال الامتناع عن اعفاء الدولة ومصرفها المركزي من ديونهما، وعدم الاكتفاء بتطبيق مبدأ التصفية على المصارف لتسديد جزء من الالتزامات، وحرمان قسم كبير من المودعين من اموالهم.
هذه المواقف المعارضة للخطة لم يتقبلها رئيس حكومة تصريف الاعمال برحابة صدر، وتولى الاعلام التابع له عبر احد المواقع، شنّ حملة اتهامات في حق المعارضين، متهماً المصارف بأنها حرّكت الاعلام التابع لها للتصدّي للخطة في محاولة لإسقاطها. والمفارقة في هذا الموضوع، ان ميقاتي كان قد اعترف امام وفد زاره بأن الخطة مجحفة في حق القطاع المصرفي، مبرراً قبوله بهذا الاجحاف بأنها الطريقة الوحيدة لكي يوافق المجلس النيابي على تمريرها! وما لم يقله ميقاتي هو ان الخطة مجحفة اكثر في حق المودعين، وهي بالتالي تحمّل المصارف ومودعيها تداعيات الانهيار، وتعفي نفسها ومصرفها المركزي من اية مسؤولية او مساهمة فعلية في الانقاذ. ومن المستغرب ان يتم اعتماد هذا النهج بعد صدور تقرير التدقيق الجنائي، وكشفه كل الحقائق المتعلقة بحسابات مصرف لبنان، وتشديده على خسائر مسؤولة عنها الدولة بلغت حوالي 67.5 مليار دولار حتى نهاية العام 2020.
والمفارقة هنا، ان الحكومة، وعبر نائب رئيس حكومتها، حاولت الترويج بأن مصرف لبنان بالتعاون مع هيئة الرقابة على المصارف، هو من وضع الخطة الجديدة، وان لا علاقة مباشرة للحكومة برسم معالم الخطة. واذا سلمنا جدلاً بدقة هذا الامر، فهذا يعني ان مصرف لبنان الذي قرأت ادارته ما ورد في تقرير التدقيق الجنائي الذي أجرته “ألفاريز”، وتبناه في بيانه المالي حول وضعيته حتى نهاية العام 2023، ناقض نفسه ومواقفه في الخطة. اذ ان المركزي اعترف في بيانه المالي بخسائر وصلت الى 51 مليار دولار حتى العام 2020، وبديون مستحقة له في ذمة الدولة تبلغ 16.5 مليار دولار. كما أقرّ في بيانه المالي الذي جرى توزيعه رسميا، بأن الدولة مسؤولة عن تسديد هذه الخسائر وهذا الدين، اي انه اعترف بأن له في ذمة الدولة مبلغ 67.5 مليار دولار. وعندما حان موعد وضع خطة انقاذ، قرر المركزي ان يعفي الدولة من دفع هذه الديون، وبالتالي ان يعفي نفسه ايضا من دفع ديونه للمصارف والتي تقارب الـ83 مليار دولار باعتراف المركزي نفسه في بيانه المالي عن وضعيته حتى العام 2023.
هذه المفارقات من شأنها نسف خطة الحكومة معنوياً. وما زاد الطين بلة، صدور حكم مجلس شورى الدولة قبيل موعد طرح خطة الحكومة للمناقشة في مجلس الوزراء، بحيث جاء الحكم بمثابة رصاصة الرحمة التي قضت نهائيا على الخطة التي كانت ستقضي على حقوق المودعين وعلى القطاع المصرفي، وعلى قدرة الاقتصاد على التعافي في المستقبل. وبالتالي، صار من شبه المستحيل على الحكومة، أو على اي طرف آخر، طرح خطط تنص على شطب الودائع، وصار من البديهي ان اية خطة مستقبلية، ينبغي ان تراعي حقوق المودعين، وضمان سلامة واستمرارية القطاع المصرفي، وتوفير مناخات التعافي السريع للاقتصاد الوطني.

Facebook
WhatsApp
Twitter

اقرأ أيضاً