مارس 29, 2024

اخبار ذات صلة

الموازنة فضحت النواب…شعبوية وجهل


لا تزال الاضواء مسلّطة على موازنة العام 2024، التي أقرها المجلس النيابي في اجواء من الهرج والمرج، لا تعكس روح المسؤولية التي ينبغي ان يتحلّى بها ممثلو الشعب، عندما يقاربون ملفا بهذه الحساسية، يمسّ حياة المواطن اليومية، ويرسم خارطة طريق للوضع الاقتصادي في المرحلة المقبلة.
ما برز في مناقشات الموازنة يتعلق بتثبيت مجموعة من الحقائق القاسية في شأن دور المجلس النيابي والنواب في استمرار ازمة الانهيار، يمكن اختصارها بالامور التالية:
اولا- أثبت النواب أو غالبيتهم على الاقل، ان الاولوية المطلقة لديهم هي للمزايدات الشعبوية التي يمكن ان تحظى بتعاطف المواطنين، ولو تمّ ذلك على حساب المصلحة العامة. وظهر ذلك بوضوح من خلال رفض نواب لتحمّل مسؤولية تحديد سعر الدولار المصرفي، والذي كان هناك اقتراح بتحديده على اساس 25 الف ليرة للدولار. وتفاخر النواب بأنهم لم يوافقوا على اقرار مبدأ الهيركات، لكنهم تناسوا ان الهيركات قائم منذ فترة طويلة، وان المودع يسحب دولاراته على سعر 15 الف ليرة. ومبلغ الـ25 الف ليرة كان من شأنه خفض نسبة الهيركات على المودع من حوالي 18% الى حوالي 27%.
ثانيا- تبين ان النواب يغرقون في المزايدات التي تمنعهم من دراسة القرارات التي يقررون اتخاذها. وقد تجلى ذلك في موضوع فرض ضريبة استثنائية على الشركات والمؤسسات التي استفادت من الدعم الذي قدمته الدولة ومصرف لبنان، ابان الانهيار طوال العامين 2020 و2021. هذه العشوائية دفعتهم الى اقرار اقتراح جاء على عجل في نهاية المداولات حول الموازنة، قضى بفرض 10% ضرائب على حجم اعمال الشركات في السنتين المذكورتين. ولا شك في ان هذا القرار عجيب غريب، لأنه يأخذ الصالح بجريرة الطالح. والاغرب، انه لن يطاول الاقتصاد غير الشرعي، اي المؤسسات والجهات التي لا تدفع في الاساس ضرائب، لأنها لا تصرّح عن اعمالها، وتعتمد التهريب والتهرّب لتسيير اعمالها، وهذا ما يدعى بالاقتصاد الاسود، والذي يُقال انه اصبح اكبر من الاقتصاد الشرعي. واللافت هنا، ان القانون يفترض ان كل المؤسسات الشرعية مارست السرقة، في عملية الدعم، في حين ان الدعم كان موجهاً لكي يستفيد منه المستهلك، وغضت الطرف عن المؤسسات غير الشرعية التي تولت تهريب السلع المدعومة، وعلى رأسها المحروقات، الى سوريا.
ثالثا- اهمل النواب قرارات من شأنها ان تدرّ الاموال لدعم صندوق استعادة الودائع، ومنها على سبيل المثال، مشروع فرض ضرائب على المقترضين الذين استفادوا من تعاميم مصرف لبنان السابقة، وسددوا قروضهم بسعر اللولار، او بالليرة، والذين حققوا ارباحا استثنائية، قدّرها صندوق النقد الدولي بـ15 مليار دولار. مع الاشارة الى ان المستهدف بهذا المشروع ليس الافراد، اي ان الضريبة تستثني القروض الفردية والقروض السكنية، والقروض التي تقل قيمتها عن 100 الف دولار. وهذا يعني ان المستهدف فيها هم التجار والاثرياء الذين كانت لديهم قروض بالملايين، واستفادوا من الظرف لاعادتها بأقل بكثير من قيمتها الحقيقية، فأخذوا بذلك الاموال من امام المودعين.
الملاحظة الرابعة- ان النواب لا يعرفون بدقة على ماذا صوتوا، وما هي البنود التي رفضوها وتلك التي اقروها. وهذا الاهمال يعتبر بمثابة فضيحة، وربما “جريمة” موصوفة، ولا توجد ظروف تخفيفية لهؤلاء، عبر الادعاء ان حالة الفوضى التي سادت في نهاية المداولات هي التي أدّت الى هذا الوضع الشاذ. والأدهى من الاهمال والاغفال، ان بعض النواب لا يخجل في القول انه لا يعرف تفاصيل البنود التي أقرت في الموازنة، وانه ينتظر نشرها في الصحيفة الرسمية لكي يتبين له الخيط الابيض من الخيط الاسود.
باستثناء صدورها ضمن المهل الدستورية، يمكن الاستنتاج بأن الموازنة تشبه هذه السلطة القائمة، حيث يختلط الحابل بالنابل. وقد برز جنوح الحكومة، ومن ثم المجلس النيابي، الى تحميل المواطنين اثقالا اكبر من قدراتهم، واول الغيث شهدناه من خلال الاضرابات في الادارة العامة، وعودة الشلل التام الى المؤسسات الرسمية، بما يعني ان القطاع العام سيبقى في حالة غيبوبة في المرحلة المقبلة، وستكون مصالح الناس والمؤسسات معطّلة، ولن تكون هناك ضمانات بأن ما ورد في الموازنة في شأن صفر عجز سيتحقّق، اذ من لا يعرف ما هي البنود التي صوّت عليها وأقرها، يصعب ان نصدقه انه يعرف ان يقدّر اذا ما كانت الايرادات والانفاق في هذه الموازنة تعكس الواقع، ام انها مجرد حبر على ورق، والنتائج ستكون مختلفة تماما.

Facebook
WhatsApp
Twitter

اقرأ أيضاً