مارس 29, 2024

اخبار ذات صلة

نجيب ميقاتي …فاشل هنا وناجح هناك


يعتبر نجيب ميقاتي واحدا من أبرز رجال الاعمال والمستثمرين اللبنانيين، سواء لجهة حجم الثروة التي راكمها بالشراكة مع شقيقه طه، أو لجهة مروحة الاستثمارات التي يقوم بها حول العالم. وبعد الاستثمار الاساسي الذي نفذه في قطاع الاتصالات في لبنان، وجنى من خلاله ثروة طائلة، بدأ ميقاتي يركّز على الاستثمار في الخارج، وقلّص استثماراته بنسبة كبيرة في البلد. ولكنه اعتبر ان القطاع المصرفي لا يزال يشكّل عامل جذب مهماً، وقرر ان يتحول الى مساهم رئيسي في واحد من اكبر المصارف اللبنانية، لكنه نجح في الخروج من هذا الاستثمار في الوقت المناسب، أي قبل فترة قصيرة من الانهيار، وأخرج معه امواله. ويبدو ان حسّ الاعمال الذي يتمتع به ميقاتي كان مرتفعا، ولا علاقة لتوقيت الانسحاب، بما يعتقده البعض انه كان يملك معلومات لا يملكها آخرون. وهكذا نجا ميقاتي من الخسائر التي كان سيتكبّدها فيما لو كان استثماره قائما، وحصل الانهيار.
خلاصة هذا السرد ان ميقاتي، كرجل اعمال، يعتبر ناجحا وفق كل المقاييس، ولكنه لم ينجح في نقل تجربته في الاعمال الى ممارسته السياسية. والمقصود هنا، ليس الاداء السياسي في حد ذاته، وهو اداء وسطي يشبه شخصية الرجل الذي لا يواجه ولا ينسحب، بل يحاول ان يحفظ لنفسه موقعاً في منطقة آمنة نسبياً، يستطيع من خلالها ان يضمن الاستمرارية السياسية لأطول فترة ممكنة.
هذا النهج السياسي حاول ميقاتي تطبيقه على سلوكه الاقتصادي والمالي، في موقعه في رئاسة الحكومة، فكانت النتيجة غير ناجحة حتى الآن. ولو طبّق ميقاتي نهجه الناجح في الاعمال في موقعه على رأس السلطة التنفيذية، لكانت النتائج أفضل حتماً.
صحيح ان ميقاتي ورث وضعاً مالياً مزرياً، وتسلّم السلطة بعد اعلان الانهيار رسمياً من قبل حكومة حسان دياب، التي تفاخرت في حينه بأنها أوقفت دفع الديون، وأنقذت البلد من استنزاف الاموال المتبقية في مصرفه المركزي ولدى المصارف، وكانت النتيجة ان الاموال المتبقية طارت، وبقيت الديون، ولكن الصحيح ايضا، ان ميقاتي لم يفعل الكثير لوقف النزف، وتغيير المشهد بالتوقيت السليم. ما قام به ميقاتي انه واصل سياسة تضييع الوقت، واستنزاف المزيد من الاموال التي كانت لا تزال موجودة في المركزي والمصارف.
وانطلاقا من شخصية ميقاتي السياسية، تعاملت الحكومة اللبنانية مع ملف الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بمنهجية ضعيفة لم تسمح للبنان بتحسين الشروط المطلوبة لعقد اتفاق تمويل، والحصول على “ختم” صندوق النقد، لفتح باب التمويل الدولي. وبدلاً من ذلك، بدا ميقاتي مرتاحاً انه نجح في تشييد متراس امامه اسمه سعادة الشامي، بحيث كان يصدّ المعترضين على نهج الخطط الاقتصادية التي يتمّ عرضها على صندوق النقد الدولي. وعندما كان ميقاتي يتلقى مراجعات معترضة على النهج القائم، كان يحيل المعترضين الى الشامي، من خلال القول راجعوا سعادة الشامي، أو دعوني اسأل سعادة الشامي، الملف معه، وانا لست مطّلعا على التفاصيل. ومن حق المواطن ان يسأل لو ان ملف الخطة الاقتصادية للتعافي لا يخصّ لبنان، بل يتعلق بخطة لادارة استثمارات ميقاتي، او لمعالجة ازمة ديون يمر بها شخصياً، هل كان سيتصرف بالطريقة نفسها، يسلم الملف الى شخص مسؤول، ولا يعرف التفاصيل التي تتعلق بالخطة التي يضعها له هذا الرجل لانقاذ ثروته؟
المقصود بهذا الكلام ليس القول ان سعادة الشامي لم يكن على قدر المسؤولية، او حتى العكس، بل لتسليط الضوء على تعاطي رجل الاعمال الناجح نجيب ميقاتي مع ملف مالي واقتصادي، كان يُفترض ان يكون اولوية الاولويات في يومياته السياسية، وان يتعاطى معه بالاسلوب نفسه الذي يتعاطى فيه في مقاربة اعماله الخاصة.
طبعاً، هناك بعض الاسباب التخفيفية في الحكم على اداء ميقاتي المالي والاقتصادي، تتعلق بالترابط بين السياسة والاقتصاد. ومن البديهي ان الرجل ليس عازفاً منفرداً في قرارات الانقاذ المالي، ولا شك في ان كل القوى السياسية الممثلة في الحكومة او في المجلس النيابي، تلعب دورها في التأثير او الضغط على ميقاتي، سواء لجهة تسهيل مهمته او عرقلتها، لكن الصحيح ايضاً انه كان في مقدور ميقاتي تقديم اداء افضل، خصوصا ان الظروف التخفيفية التي أُعطيت لحسان دياب لجهة انه غير ضليع في المال والاقتصاد، واعتمد على آراء الخبراء من حوله لاتخاذ القرارات، لا يمكن منحها لرجل الاعمال الناجح نجيب ميقاتي.

Facebook
WhatsApp
Twitter

اقرأ أيضاً